ربما يبقى الوضع في عين العرب على ما هو عليه، مراوحة في المكان إلى أمد طويل، حسب ما تُخطط له الإدارة الأمريكية، بمعنى ألا يستطيع أهالي المدينة إلحاق الهزيمة بإرهابيي داعش، وفي الوقت ذاته عدم السماح للتنظيم الإرهابي باستباحتها، الأمر الذي ينطبق عليه المثل الانكليزي القائل: “إذا أردت أن تبقي الغريق على قيد الحياة، فاحرص على إبقاء رأسه فقط فوق الماء”.
هذه المعادلة فرضتها الظروف الجغرافية والديمغرافية لعين العرب، التي وجدت فيها أمريكا ضالتها للاستمرار في مخططها التدميري للمنطقة، متلطّية بشعار حماية الأقليات، ومستفيدة من وقوع المدينة في منطقة تسيطر عليها المجموعات الإرهابية المسلحة المرتهنة القرار للخارج، وعلى حدود دولة تحكمها عصابة حزب العدالة والتنمية، وتُعد المصدر الأول لتسلل المرتزقة إلى سورية، وهذا ما مكّن واشنطن وحلفاؤها من تسيير الوضع على النحو الذي يريدون..
فالمساعدات تقدّم بـ” القطارة” للأهالي المدافعين عن المدينة، في حين أن المؤن والسلاح يصل عن طريق “الخطأ” للدواعش، وبطبيعة الحال يتمّ ذلك وسط تركيز إعلامي منقطع النظير على هذه البقعة من الأرض، وتصريحات نارية تصدر من هنا وهناك، تعبّر عن الإدانة والقلق مما قد يحصل في عين العرب، والذهاب أبعد من ذلك لاقتراح تكرار المشهد في مناطق أخرى من سورية.
وفي هذا السياق جاءت دعوة المبعوث الدولي دي ميستورا لإقامة “منطقة مجمدة الصراع” في حلب، وفي السياق ذاته جاءت دعوتا فابيوس وداود أوغلو لما يُسمى “التحالف” لنجدة الإرهابيين في المدينة، وهي دعوات هدفها قديم جديد يفضي إلى إنشاء مناطق عازلة في الشمال، الأمر الذي ترفضه سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، جملة وتفصيلاً.
إن التركيز الغربي على ما يجري في سورية لم يأتِ محض صدفة أو عن عبث، وإنما في إطار الخطوات المرسومة لنشر الفوضى في المنطقة برمتها، والدليل على ذلك عدم انشغال الغرب بمبايعة ما يُسمى “أنصار الشريعة” في درنة الليبية و”أنصار بيت المقدس” في مصر لتنظيم داعش الإرهابي، رغم أن الجميع يدرك أنه عندما يعلن تنظيم ما ولاءه لداعش، يعني أنه ينتظر تحديد ساعة الصفر للبدء بأعماله الإجرامية، التي باتت معروفة للقاصي والداني، ويأتي في مقدمتها ضرب الجيوش الوطنية.
فالخطط الأمريكية، كما أكدت الوقائع، تمضي وفق البوصلة الصهيونية، بأن أمن “إسرائيل” يقتضي أن يمسي العرب بلا أمن، وأن استقرار “إسرائيل” يقتضي فوضى العرب.. أي الشيء ونقيضه، وهذا يعني اعتماد الهدم لا البناء، وفي الهدم لابد من إعلاء العنف على السلم، وبالتالي فإن ما يقوم به تحالف أمريكا في عين العرب يُعد نقطة انطلاق باتجاه السيناريوهات التي يحاولون تطبيقها للاستثمار في الإرهاب، عندما يحين الوقت للجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن حصلوا على ما يريدون في السياسة سيتجهون نحو التعاون الجدي للقضاء على داعش، وإن فشلوا سيعملون على تقوية التنظيم الإرهابي للتمدد في دول عربية أخرى، لتفجير المنطقة بأسرها، مستفيدين من الولاءات لداعش في غير بلد عربي.
وعليه فإن المخطط المرسوم خطير جداً ما يتطلب تحرك عربي للمواجهة المشتركة، وطالما أن المستهدف الأول هو الأمة العربية، بكل مكوّناتها، فهذا يحتّم تعاون الجميع مع الجيش العربي السوري لمواجهة التحديات.
والمطلوب فقط توافر الإرادة السياسية والخروج من العباءة الأمريكية والخليجية، لأن الزمن هو زمن الجيوش الوطنية العروبية، والتي وحدها تستطيع القضاء على داعش، وإلحاق الهزيمة بالإرهاب ومصنعيه ومموليه.
بقلم:عماد سالم