«مِنَّةُ» أبناء الحصن الأخير على أشقائهم-بقلم: مهدي دخل الله

تسير «الفوضى الخلاقة» الأميركية على قدم وساق، حيث يختلط الحابل بالنابل، ويقاتل الجميع ضد الجميع، كما كان الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبس يقول، لكن الجانب الآخر للواقع يتحول أيضاً ضد رغبة الولايات المتحدة وخططها، ما يصعد في الصراع ويُدخله في مرحلة جديدة الانتصار فيها سيكون تاريخياً، على قاعدة «لا يظهر الحق حتى يبلغ الباطل مداه»..

منذ نهاية الخمسينات كان الهدف الأمريكي ضرب ثلاث دول عربية كبرى و«مشاكسة» متمسكة بقومية العرب واستقلالهم الحقيقي. مصر وسورية والعراق. مصر زُجت في «كامب ديفد»، والعراق حورب مباشرة وتم احتلاله، أما سورية، الحصن الأخير، فقد شُنت عليها حرب إرهابية غير مسبوقة.

ألقى الاستعمار الحديث في الساحة كل ما عنده، فوضى وحرب وإرهاب وقتل وتدمير وإثارة فتن من جميع الأنواع لكن الحركة العروبية ما زالت تقاوم بشدة، ولو أن الحصن الأخير انهار لأصبحت المنطقة بكاملها مجرد لعبة في يد هذا الاستعمار، إنها «منّة» منّا- نحن أبناء هذا الحصن- على العرب جميعاً، منّة تعكس كفاحاً سيبنى على أساسه تاريخ جديد للمنطقة.

ولعل أهم عناصر المقاومة التاريخية، هو أن الكفاح في الميدان يتزامن مع تحول ديمقراطي حقيقي، في سورية ومصر والعراق، تحول يثير غضب دعاة الاستعمار الحديث الأطلسيين وحلفائهم الصهاينة وأتباعهم الرجعيين العرب، اليوم «لا يعترف» الأميركيون بخيار الشعب الديمقراطي في سورية، ويدعمون بسرعة وحماسة خرقاً دستورياً ديمقراطياً فجاً في العراق، ويتباكون على الإخوان المسلمين في مصر.

تصوروا لو أن الدول الثلاث منذ الستينات شرّعت أبوابها للديمقراطية الحقيقية التي تجعل الشعب صاحب القرار الأول، لكنّا استطعنا تفادي الكثير من الهزات، ولكنّا أشد صلابة وتماسكاً داخل كل دولة، وفي إطار العلاقات بين الدول الثلاث.

لو أن مصر كانت ديمقراطية هل كان باستطاعة السادات زيارة الكيان الصهيوني؟ ولو أن العراق كان ديمقراطياً هل كان باستطاعة قيادته إشعال حرب مع إيران المقاومة.. إيران فلسطين؟ ولو أن سورية ربطت موقفها الوطني والقومي بتحولات أكثر ديمقراطية كما حصل مع الدستور الجديد، أما كان مجتمعنا اليوم أقل عرضة للفتنة وأكثر تماسكاً بما يعزز دور سورية القومي- التحرري باعتبارها حصن العروبة الأخير؟

لطالما رفعت قوى الاستعمار الحديث راية الديمقراطية في وجهنا بغية إرباكنا، وهي تعلم تماماً أن التوجه الحقيقي نحو الديمقراطية سوف يكون سلاحاً قوياً للعرب في وجهها لأنه يعبر عن إرادة الشعب في كل قطر لاعن مساومات الحكام وحساباتهم، والدليل هو أن واشنطن تقف اليوم ضد الديمقراطية عملياً.

ليس هذا فحسب بل إن استقراءً سريعاً للخريطة السياسية في الوطن العربي يظهر أن الأنظمة التابعة لأمريكا هي الوحيدة الاستبدادية من قطر آل ثاني شرقاً وحتى «أمير المؤمنين» في المغرب!

صحيفة تشرين