الفراغ وفوضى الخراب الأميركي

لا يستطيع الاجترار الأميركي في الحديث عن فرضية الفراغ أن يخفي حدود ومساحة الخيبة التي تكتسح الإدارة الأميركية، حيث تثير «الشفقة» في كثير من الأحيان، وهي تستقصي المرارة المزدوجة مما فرضته التواءات الدبلوماسية الاميركية التي تُظهر غير ما تبطن, وتمارس غير ما تعلن، وهي تتعثر في خطواتها وما تخلفه وراءها من فوضى عارمة ودمار متراكم.‏

ولا يقدر الرئيس أوباما بشخصه الكريم أن يفلت من تبعات مصيدة التكرار والتناغم مع المسارب التي تتكاثر فيها جحور الإرهاب، كما هو حال وزيرة خارجيته السابقة التي أعلنت حرب شهوتها الرئاسية من باب الصيد في دفاتر الإدارة السرية، وبالحدود التي سمحت لها استخباراتها أن تغوص فيه داخل أوحال فرضية الفراغ التي تسهب في الحديث عنها تبريراً وتسويغاً وربما تمهيداً للخطوات القادمة، أو في الحد الأدنى كمنصة لمسرح الفوضى الذي اعتادت التبشير به الدبلوماسية الأميركية.‏

قد لا يستحق الأمر أن يكون موضع اشتباه بالنسبة للمنطقة، وهي التي تعاني ما تعانيه من نكوص أميركي ليس بالفراغ فحسب، بل أيضاً بما تقتضيه من استرزاق على ذمة الحقيقة الغائبة، التي لا تقترب منها مفردات الخطاب الأميركي إلا عندما تريد التعمية على حقيقة أخرى، ولا تجتر في سراديبها إلا حين ترغب في الاصطياد من غنيمة الماضي، ليكون تبرئة الوقت ما بعد الضائع.‏

فالتركيز غير البريء والتناغم المتفق عليه بين الرئيس وخليفته التي تفتتح موسم صيدها بفتح النار عليه، يشق صفوفه وسط متاهة من الفرضيات الفرعية، ليكون الفراغ هو المتهم الوحيد على لائحة الادعاء الأميركي في المواجهة المفتوحة مع الإرهاب.‏

ما يضاف إلى الجعبة الأميركية في سياق الغمز من قناة التبرير أنه يريد أن يملأ فراغاً تائهاً بين مجسدات ومجسمات اعتلت المسرح الأميركي بدور شاهد العيان المصطنع والجاهز، ليرى كل ما ترغب الذهنية الأميركية في تحويره وتنشئته على حساب الحقيقة الضائعة دائماً والمفقودة دون أن تترك خلفها أثراً دالاً عليها.‏

ما يختلف فيه الأميركيون هو ذاته ما يتفقون عليه، سواء جاء من فراغ افتراضي أم من ذلك الحضور الأميركي المكثف واقعياً في يوميات الإرهاب ومحاضر رعاته ومحتضنيه، وعملية التنشئة الذاتية أو الافتراضية لعوامل انتشاره وتفشيه، ليكون حاملاً واقعياً لمسارات الرغبة الأميركية في تحديد ساعات الرحيل والعودة وفقاً لأجندة تتعلق أولاً وأخيراً بانتقائية الشعار والمصلحة وما يقتضيه حفظ ماء الوجه.‏

وبغض النظر عن أجندات الفراغ التي تتخفى وراءها حسابات الفوضى الأميركية بلبوسها الجديد، فإن ما تثيره من قراءات وما تحمله من لغة احتمالية يجزم بأن المهمة الموكلة والغاية أبعد مما نضح في تورية الخلافة، ما دامت داعش التي كانت وستبقى مثالاً يصلح للذم والمدح في المنطق الأميركي قد أطلقت لغة الخلافة فصلاً إضافياً إلى ما يأتي بعدها من المصطلحات الواردة في سياق الأخطاء البينية او الجوهرية في خيارات السياسة الأميركية على مستوى المنطقة، حيث الفراغ هنا ليس حالة افتراضية بل له حوامله الكامنة وراء التطرف والإرهاب.‏

فالمقولة الأميركية عن الاعتدال والتطرف ليست كذبة إضافية أتخمتها المحظورات الكبرى من أخطاء الإدارة الأميركية فقط، بل تشمل تحميلاً إضافياً لملفات تختصرها حالة الابتزاز التي تمارسها حيال الحكومة العراقية، حين دخلت طرفاً على هوامش المواجهة مع داعش لحماية ما صنعته من أدوات إضافية في المنطقة.‏

الواضح أن الإدارة الاميركية الباحثة عن مشجب لتعليق أخطائها لم تفتر عزيمتها ولم تعيها الحيلة في ذلك، ولن تتردد في إضافة كل يوم إلى القاموس السياسي ما يعبر وما يترجم إدراكها العملي لواقع الخيبة والفشل، ولو اقتضت المسألة حروباً من التسريبات أو تشكيلات من الافتراض الجديد القائم على الدجل والنفاق، بما في ذلك فرضيات الفراغ التي تتحضر لتسود الخطاب الأميركي في عصر داعش، وما يمليه من جزئيات تفصيلية في إدارة الفوضى وركام الخراب الذي يعم المنطقة.‏

بقلم: علي قاسم