حمص-سانا
من يراقب مجموعات الأطفال التي تغادر منازلها في ساعات بعد الظهر وتتجه إلى معاهد التقوية الخاصة ومنازل المدرسين الخصوصيين التي باتت عناوين بارزة يعرفها الجميع يدرك أن ظاهرة الدروس الخصوصية تكاد تخرج عن السيطرة وتتحول إلى نظام تعليم مواز مقابل التعليم الرسمي.
سانا استطلعت آراء مجموعة من الأهالي والمدرسين والمعنيين بقطاع التربية حول انتشار هذا الظاهرة التي يصفها البعض بـ “السلبية” ويراها آخرون “ضرورة” بينما يقول آخرون إنها “وباء” يتسلل إلى نظامنا التعليمي.
“الوضع لم يعد يطاق والأعباء المالية أكبر من طاقتنا هل يعقل أن يحتاج طالب الصف الأول لدروس خصوصية “هكذا علق أبو ياسر أب لستة أطفال مضيفا لم نعد نعرف ماذا نفعل” كل أولاد الجيران يتلقون دروسا خصوصية ولا أستطيع أن أقصر مع أبنائي رغم عدم توافر الإمكانية”.
”الحال من بعضه وكلنا في الهوا سوا” تقول أم محمد منذ عشر سنوات كانت الدروس الخصوصية فقط للطلاب في الصفين التاسع والبكالوريا وأغلب المدرسين في تلك الفترة كان لديهم إحساس بالمسؤولية التربوية والأخلاقية لأداء واجبهم التعليمي على أكمل وجه أما اليوم “فهل يعقل أن أؤمن مدرسين لأبنائي وهم في المرحلة الابتدائية وحتى في الصف الأول”.
”المشكلة ليست في الطلبة ولا يعقل أن يكون الجميع أغبياء بل في المناهج والإخلاص في العطاء” تتابع أم محمد موضحة أن المدرسين باتوا يبحثون عن مورد إضافي والبعض وصل لحد الجرأة بأن يقل لطلابه من “لم يفهم الدرس فأنا مستعد لإعطائه دروسا خصوصية”.
أمجد طالب في الثالث الثانوي العلمي يقول لا يمكن لأي طالب يسعى إلى تحقيق علامات جيدة الاستغناء عن الدروس الخصوصية فالمنهاج مكثف وعدد الطلبة في الصف تجاوز الـ 50 طالبا والمدرس مرهق من الدروس الخصوصية التي يعطيها بعد الظهر حتى منتصف الليل.
مديرة معهد الإخلاص الخاص رزان نيصافي تقول هناك إقبال كبير من الأهالي لتسجيل اولادهم منذ المرحلة الاولى لتعلم اللغة الانكليزية وهمهم الوحيد هو الحصول على علامة جيدة وتضيف “برأيي جميع الطلبة بحاجة إلى دروس خصوصية في اللغة الانكليزية ليس بسبب كثافة المنهاج وإنما لتواجد أعداد كبيرة في الشعبة الواحدة وعدم قدرة الأساتذة على إعطاء المنهاج بالشكل الصحيح”.
عيسى عيسى مدرس مادة الرياضيات للمرحلة الثانوية حمل وزارة التربية والجهات صاحبة القرار مسؤولية انتشار هذه الظاهرة لعدم إيلاء مربي الأجيال الاهتمام وزيادة رواتبهم وتحسينها أسوة بأساتذة الجامعات وهذا ما تنتهجه معظم دول العالم قائلا “مناهجنا لا تخرج مربيا وإنما خزان معلومات وعلى وزارة التربية تأهيل المدرسين لأنهم المسؤولون عن تنشئة الجيل .. والدرس الخصوصي أصبح حاجة ماسة للطلبة في ظل غياب الاهتمام من المدرسة وخاصة في الريف وهو حاجة مادية للمدرس الذي أصبح يبحث عن عمل إضافي لتحسين وضعه المعيشي”.
”نقوم بجولات ميدانية مفاجئة على المدارس للاطلاع على الواقع” هكذا علق موسى الديري موجه تربوي للمرحلة الابتدائية وهدفنا هو الاطلاع على أداء المدرسين أثناء إعطاء الدروس ومدى قدرتهم على شرح المنهاج وإيصال المعلومة إلى الطالب ونحن نشارك أولياء الأمور تخوفهم من كثافة المناهج وغياب الإخلاص لدى بعض المدرسين وسعيهم وراء الدرس الخصوصي ونحاول جاهدين منع تفشي هذه الظاهرة التي أصبحت ترهق الجميع.
وليد مرعي معاون مدير التربية بحمص قال لـ سانا: “لدينا شروط وضوابط ونعاقب ونحاسب كل من يخالف القوانين فالدروس الخصوصية محاربة وممنوعة ونتابع كل المدارس من خلال الموجهين والإداريين وكل طلب تقدمه إدارة المدرسة لإقامة دورات تقوية للطلبة نوافق عليه مباشرة” مشيرا إلى أن هناك عقوبات مسلكية لكل مدرس يقصر في أداء واجبه خلال الحصة الدرسية.
وتبقى الدروس الخصوصية بخيرها وشرها ظاهرة شائكة ومتفشية وتكبر وتزداد كل يوم ككرة الثلج وهي تهدد العملية التعليمية برمتها والحلقة الأضعف فيها هي الأسرة لذلك لا بد من إعادة النظر بالمناهج التعليمية المكثفة وزيادة الحافز المادي للمدرسين للحد من هذه الظاهرة.