طرابلس-سانا
تحولت ليبيا عقب غزو حلف شمال الأطلسي الناتو لها في عام 2011 إلى ساحة للصراعات المستمرة بين الميليشيات المسلحة ما يهدد وحدتها الجغرافية والاجتماعية انسجاما مع مشروع الهيمنة الغربي التقسيمي لدول المنطقة المسمى “الشرق الأوسط الكبير” والرامي كما تشير التقارير إلى تقسيم دول المنطقة وتفكيكها لإحكام السيطرة عليها وفرض الهيمنة الإمبريالية والإسرائيلية.
وفي ظل غياب وعجز الدولة الليبية عن إحكام السيطرة على الأوضاع في البلاد تستمر معاناة الليبيين وباتت خشية آلاف الأسر من الغد المجهول أكثر من خشيتها من الحاضر المأزوم.
وأمام الفوضى العارمة وعجز الحكومات المتعاقبة على ضبط الوضع قام العديد من المدن باغتنام الفرص لإعادة تنظيم أجهزتها الإدارية بعيدا عن السلطة المركزية في طرابلس على غرار مصراتة في شرق ليبيا التي باتت تحت حكم ميليشياوي ذي توجه “إسلامي متشدد”.
كما انتشرت في البلاد مجموعات سلفية تسمي نفسها “جهادية” تمرست قياداتها على القتال في افغانستان والعراق ونشطت بقوة في ليبيا مثل جماعة ما يسمى “أنصار الشريعة” المتطرفة وكذلك ما يسمى “غرفة ثوار ليبيا ودرع ليبيا” التي تنادي صراحة بإقامة “الخلافة الإسلامية” والتي حصلت على أسلحتها الثقيلة والمتطورة من مصادر خارجية كدويلة قطر وتركيا وفرنسا كما تؤكد الوقائع الميدانية والتقارير الإخبارية ما يثير مخاوف جدية من تمزيق وحدة البلاد.
هذا ولا تتردد الميليشيات المسلحة في تحدي أجهزة الدولة الشرعية في حال تعرضت مصالحها للخطر متسببة في المزيد من الضعف لهياكل الدولة الوليدة وتكريس الفوضى الأمنية في البلاد.
وكان المسؤولون الليبيون أقروا مرارا بسيطرة الفوضى والميليشيات المسلحة على الوضع في البلاد ما دفع اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد القوات البرية الليبية السابق إلى بدء عملية عسكرية منتصف أيار الماضي سماها “معركة الكرامة” لتطهير ليبيا من الإرهابيين لاقت قبولا شعبيا وانضم إليها ضباط وجنود سابقون.
وقد أدى تغول الميليشيات المسلحة إلى حدوث نتائج كارثية على النسيج الاجتماعي الليبي حيث اضطر مئات الآلاف من الليبيين للجوء إلى دول الجوار وخاصة مصر وتونس وقدرت دول الجوار الليبي والعديد من المنظمات الإنسانية أعداد اللاجئين الليبيين بأكثر من مليون شخص وهي نسبة هائلة بالنسبة لعدد سكان هذا البلد.
واعتبر عضو اللجنة الليبية لحقوق الإنسان الناشط الحقوقي أحمد عبد الحكيم في لقاء مع وسائل إعلام ليبية أن هناك حوالي نصف مليون ليبي في تونس وتبدو ظروفهم المعيشية صعبة ومؤسفة نتيجة فرض وضع اللجوء القسري عليهم من قبل المجموعات المسلحة المنتشرة في ليبيا.
وكشف عبد الحكيم عن أن بعضا من هؤلاء النازحين تم تهجيرهم بسبب مواقفهم السياسية حيث تم قطع مرتباتهم وملاحقتهم بذريعة أنهم موظفون سابقون خلال الفترة الماضية من تاريخ ليبيا وذلك في فضيحة تدحض ادعاءات الديمقراطية وحريات التعبير عن الرأي التي تستر الناتو بها لتبرير غزوه للأراضي الليبية.
وبحسب المصادر الليبية ذاتها فإن أغلب العائلات الليبية اضطرت إلى المجيء إلى تونس هربا من أتون الحرب وبحثا عن ملاذ امن من المطاردات وعمليات الانتقام التي تشنها الميليشيات المسلحة ضد أنصار النظام السابق في ليبيا.
ومن خلال المعاينة اليومية للوضع المعيشي لأغلب الأسر الليبية النازحة الى العديد من المدن والقرى التونسية فإن صعوبات جمة ومشاكل كثيرة تحط بثقلها على كاهل هذه الأسر من حيث السكن وتوفير متطلبات الحياة في ظل غلاء الأسعار في تونس.
وتؤكد بعض الصحف التونسية أن نساء ليبيات اضطررن للعمل في القرى الزراعية من أجل تأمين قوت أبنائهن وحتى كخادمات في منازل بعض الأثرياء.