دمشق-سانا
يلخص الأديب الروائي حسن حميد في روايته “مدينة الله” واقع الاحتلال الاسرائيلي بصورة مبتكرة وحديثة مستخدما أسلوبا تصويريا تشكيليا اعتمد فيه على استعارات مكنية أخذها من الطبيعة الخلابة لمدينة القدس المحتلة التي وصفها بأنها أجمل بقاع الأرض.
الإبداع عند رواية حميد اعتمد على أمور متعددة أهمها وصف المكان الذي كان حداثويا بطرحه ودالا على شدة انتماء الكاتب وولعه بمدينة القدس التي دنسها الاحتلال ثم وصفه لوسائل هذا الاحتلال بطريقة جديدة تجعل القارئ يوقن مدى بشاعته ثم وصف الأصدقاء من خلال شخصية الطالب الروسي فلاديمير بودنسكي كناية عن وجود مثقفين أجانب يعرف مدى التضليل الصهيوني لقضية فلسطين ويقف مع شعبها.
الرواية جاءت بأسلوب مبتكر اعتمد فيها حميد رسائل خطها الطالب لأستاذه جورجي إيفان الذي علمه اللغة العربية في سان بطرسبورغ عندما زار الأول فلسطين بناء على نصيحة معلمه ليكتشف هناك ما يعانيه شعبها من شقاء وليقف عند طبيعة هذه البلاد الجميلة.
وسوف يعرف القارئ منذ صفحات الرواية الأولى أن هذه الرسائل لم تصل إلى المعلم إيفان لأن موظفة البريد الصهيونية “وديعة عميخاي” بعد أن وقفت على مضمونها وعرفت أن فلاديمير يكشف فيها ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين عملت على إخفائها لمدة تقارب عشر سنوات.
وعندما تصاب وديعة بمرض السرطان وتشعر في دواخلها أن منيتها اقتربت تسلم هذه الرسائل لموظف عربي تلتقي به في دورة تأهيل للأرشفة لأنها بحسب ما قالته تريد أن تكفر عن غلطها قبل الموت برغم إنكارها لمحتوى الرسائل.
أما الرسائل ذاتها فجاءت بمواضيع مختلفة إلا أنها تسلسلت بمنطق روائي يذهب إلى حدث واحد بطلاه الحوذي “جو” وفلاديمير وكلاهما يرفض ما رآه من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
لغة الوصف في الرواية جاءت متناسقة ومتتالية مع الحدث الذي ربطه حميد بالزائر فلاديمير والذي صور ما رآه بدقة بريشة الكاتب وفق تقنية عالية وحساسة أما الوصف الذي قدمه للمحتل فكان فائقا ويقدم حالة توثيقية لواقع أليم حول جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يصفهم فلاديمير بـ “البغالة” ويصور قمعهم للفلسطينيين.
أما وصف حميد للنساء فجاء إيجابيا ورقيقا يحمل مفردات لم يطرقها كتاب الرواية ليربط تلك الشخصيات بالواقع الذي عاشه فلاديمير خلال إقامته بالقدس المحتلة كما يعتبر حميد في روايته أن الأمريكيين لا يختلفون في أفكارهم ضد العرب عن الصهاينة كما في الحوار الذي ساقه بين فلاديمير وموظفين أمريكيين التقى بهم في مقهى أبو العبد بمدينة القدس المحتلة.
بطلا الرواية فلاديمير والحوذي جو أودعا السجن في نهاية المطاف نظرا لرفضهما نمطية جرائم الاحتلال حيث استمر فلاديمير من هناك بكتابة رسائله لأستاذه إلى النهاية.
الرسائل تكشف ضمن ما تلقي عليه الضوء حالة الرعب والهلع والخوف في قلوب الصهاينة وهذا ما يجعل الأذى من أولوياتهم القاتلة فيدفعهم للبطش ليختتم حميد روايته برسالة وجهها فلاديمير لأستاذه بعد كثير من نداءات الرجاء بأن يرد على رسائله حيث كتب “أرجوك لا تكتب إلي فعناوين السجن ليست بعناوين”.
مدينة الله عمل روائي جاء على غير أنماط الروايات التي ظهرت في السنوات الأخيرة أخذ فيها حسن حميد طرقا غير مسلوكة في العمل الأدبي تجعل القارئ غير مقتنع بأن الخيال وحده من لعب دوراً أساسيا في هذا النسيج البنيوي برغم سيادته في حضور الألفاظ والتعابير.
والرواية من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وتقع في 574 صفحة من القطع المتوسط.
أما حسن حميد فهو من مواليد صفد في فلسطين عام 1955 حاصل على إجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع ودبلوم الدراسات العليا ودبلوم التأهيل التربوي من جامعة دمشق واجازة في اللغة العربية من جامعة بيروت العربية وعمل في الصحافة الأدبية وهو عضو في المكتب التنفيذي وفي جمعية القصة والرواية باتحاد الكتاب العرب ترجمت بعض أعماله إلى لغات عالمية عدة.
له نحو 30 إصدارا أدبيا متنوعا منها “اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة” و”طار الحمام” قصص وفي الرواية أعمال عدة منها “أنين القصب” و”جسر بنات يعقوب” التي نال عليها جائزة نجيب محفوظ و”الأدب العبري” و”أقمار حاضرة البحر” في الدراسة الأدبية.
محمد خالد الخضر
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: