التفاؤل ما تزرعه بعقلك تحصده في حياتك

دمشق – سانا

يعد التفاؤل نمطاً من أنماط الحياة الطبيعية التي تولد مع الإنسان ويصبح جزءاًمن حياته ليساهم بدوره في تفجير الطاقات الإيجابية الكامنة التي تؤثر عليه وعلى مسيرته العملية والإجتماعية.

وأكدت رهف تسابحجي خبيرة التنمية البشرية في حديث لنشرة سانا الشبابية أن منظمة الصحة العالمية عرفت التفاؤل على أنه عملية نفسية إرادية تولد أفكار الرضا والأمل والثقة وتبعد مشاعر اليأس والإنهزامية والعجز وهو يولد بالفطرة عند الإنسان فالأطفال يولدون مفعمين بالتفاؤل بطاقة الحياة الإيجابية الموجهة للنماء ويتعلمون التفاؤل أو التشاؤم من خلال علاقتهم بوالديهم خاصة الأم فإما أن تتأصل فيهم هذه الفطرة وتقوى وإما أن تنتكس وتضعف.

وأوضحت تسابحجي أن العديد من الدراسات تؤكد أن ما بين 70 إلى80 بالمئة مما نحدث به أنفسنا هو سلبي ويصل الإنسان لعمر الثامنة عشرة ويكون قد تلقى أكثر من 150 ألف رسالة سلبية مقابل 600 فقط ايجابية.

وبينت خبيرة التنمية ان المتفائلين تفعل لديهم آليات التحفيز والتعزيز الذاتي الذي يمدهم بالقوة والقدرة على مواجهة التحديات وعلى رؤية الفرص الحياتية بينما يبالغ المتشائمون في التنكر لإيجابيات الحياة ولقدرتهم وإمكاناتهم فتمر الفرص من أمامهم دون ملاحظتها لانشغالهم بالتركيز على السلبيات، مشيرة إلى تجربة الأديبة الأميركية هيلن كيلر العمياء الصماء البكماء التي أذهلت العالم بإنجازاتها وحققت المستحيلات والتي كانت تقول كلما أغلق باب فتح باب أخر لكن غالباً ما نكون مشغولين بالباب الذي أغلق.

ويعمل المتفائلون بحسب تسابحجي على تعميم صفاتهم على الآخرين فينجذب الناس إليهم ويرتاحون لهم وبذلك يكتسبون الكثير من العلاقات الإيجابية ما يعزز الثقة والتفاؤل لديهم حيث يزودهم التفاؤل بطاقة العمل لفترة أطول وبذل جهد أكبر انطلاقاً من ثقتهم بجدوى العمل لتحقيق نتائج طيبة مؤكدة أن التفاؤل يمهد الطريق لإطلاق الطاقات والقدرات بينما التشاؤم يعطلها في غياب القناعة الراسخة في تحقيق الغايات ولا يستطيع المتشائم تحقيق شيء وإن كانت لديه الموهبة والقدرة والذكاء.

وترى تسابحجي أن المتفائل الحقيقي هو الذي يقوم بالعمل بأحسن طرقه وتزداد ثقته بنفسه بالتغلب على العقبات الواحدة تلو الأخرى وبذلك يحسن تقدير الواقع بما فيه من إيجابيات وسلبيات ولا يعيش بالأحلام الوردية إذ تقول الدكتورة بوليا بويم من جامعة هارفرد إن الصحة الجيدة لا تقتصر فقط على غياب الأمراض بل تمتد إلى الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة ومتغيراتها فالتفاؤل والسعادة والمرح يمكن أن تحمي القلب والشرايين من الأمراض بل يتصرف المتفائلون غالباً بطريقة صحية يمارسون الرياضة ويتابعون حياة صحية في المأكل والمشرب والنوم بعيداً عن العادات الضارة.

وأشارت تسابحجي إلى أن عالم النفس نورمان دوج يؤكد في كتابه (الدماغ الذي يغير نفسه) أن الدماغ لديه القدرة على أن يعيد طريقة تنظيمه بتكوينه اتصالات عصبية جديدة على قدر تدريبه بالتكرار وبالأنشطة المعززة لتعليم شيء جديد وأن التفكير الإيجابي والتفاؤل يغيران الدماغ بطريقة فعلية مادية لا مجازية ويسمى هذا العلم ليونة الدماغ بمعنى أخر أن الأفكار التي تجول في خاطرنا تستطيع بالفعل أن تغير بنية وتركيب طريقة عمل الدماغ وتقوي مناطق المشاعر والأحاسيس فيه.

وعن إمكانية تعليم التفاؤل لفتت تسابحجي إلى أن التفاؤل والتشاؤم يعلمان وقد طور الدكتور سليغمن المختص بالعلاج النفسي في أميركا نظرية التفاؤل و التشاؤم وبين أنهما أسلوبان في التفكير وتفسير الوقائع والأحداث وهما يساهمان في تكوين القيمة العامة لأنفسنا ومكانتنا في الحياة.

وتختم تسابحجي حديثها بالقول إن طبيعة الحياة التي نعيشها تفرض على الإنسان واقعاً أنه لا يستطيع أن يغير الكثير ما يجعله ضحية سهلة للتشاؤم لذلك عليه أن يقوم بتغيير طريقة تفكيره وحديثه لنفسه وقانون الحصد يؤكد أن كل ما تزرعه في عقلك تحصده في جسدك وفي حياتك لذلك لا بد أن تبدأ بحديثك لنفسك فعلى قدر ما تحدث عقلك حديثاً إيجابياً على قدر ما ينشط ويعاد تشكيله ليعطيك أفكاراً إيجابية ونشاطاً وطاقة والعكس صحيح.

لمى الخليل