لا يكاد التذكير الروسي بانتهاء الـمُهل التي حددتها للتنظيمات الإرهابية، حتى تنطلق بما يوازيها مطالب في أغلبها يأتي عبر البريد الأميركي بإطلاق ما يشبه التهدئة بمحددات زمنية قابلة للتحريك جغرافياً، وتتسم بالإفاضة في التأويل سياسياً، لتكون في بعض أشكالها حمّالة أوجه لا تتطابق في أغلبها مع معطيات الميدان، في محاولة خادعة للإيحاء بأن بوابة إضافية يمكن فتحها أو سيتم فتحها.
على هذه القاعدة تَشي المعادلة الناشئة بسيل من التكهنات والاستنتاجات التي تفرض إيقاعها، حتى لو لم تصل إلى النتيجة التي تريدها، بحكم ما يعترضها من صعوبة في فصل المعلومات المتواترة والتي تدفع -في الأغلب- الروسي إلى نفي ما يشاع عن اتفاقات سرّية مع الأميركيين.
في الواقع يستطيع الجميع أن يصدّق الروسي، وقد امتلك رصيداً عالياً من المصداقية من جهة، ولأن الاتفاقات العلنية لا تُنفّذ، فكيف الأمر بالسرّية من جهة ثانية!! وأن الخلاف في المقاربات أصعب بكثير مما يدور في ذهن الكثير من أصحاب ومروّجي أحاديث السرّية، لكنه على المقلب الآخر يؤكد أن إشغال الوقت هو الساري عملياً، حيث الاستمهال الأميركي للمباشرة باستهداف التنظيمات الإرهابية له أغراضه التي تتحقق، وربما تضيف إلى مسار التعقيدات في العلاقة الأميركية الروسية ومسارات التفاهم فيها المزيد من حلقات الريبة، وأحياناً تزرع ما يفيض عن الحاجة من عوامل الشك في الدوافع التي تقف خلفها.
هذا يتقاطع على الأقل مع ما تذهب إليه الحصيلة التي تتحرك وفق المؤشرات الميدانية نحو المصبّ ذاته، ولو اختلف مجرى مسيرها ومنبع انطلاقها، بدليل الكمّ الهائل من التداعيات التي أدّت في الأسابيع الأخيرة وحدها إلى تأجيل الحديث بعد تأخيره عن المسار السياسي من جهة، وإلى ارتفاع وتيرة التصعيد الإرهابي في أكثر من منطقة من جهة ثانية، وفي العاملين تقف خلفهما قصة التهدئة وتسمياتها المتدرجة التي استدارت نحو ترجيح كفّة التوظيف الأميركي لها لترميم صفوف الإرهابيين، وإعادة تموضع أدوار الـمُشغّلين الإقليميين الوظيفية، وإن كانت بصفة مؤقتة أو مرحلية.
الأخطر.. يبقى أن المشاغبة لا تقتصر على حدود المساس بالموقف الروسي، ومحاولة التشويش وأحياناً الشيطنة عبر سلسلة من الأكاذيب التي يتولاها ما يسمى المرصد السوري الحاضر في كل الأماكن وباللحظة نفسها والقادر على الإمساك بكل التفاصيل وفي كل الأوقات..!! وتستأثر وكالة رويتر بتسويقه ليكون الناقل الحصري لتلك الأكاذيب والفبركات التي يتم تعميمها، وصولاً إلى الخلط بين الواقع والافتراض، وبين المعطيات والتمنيات، حيث المركز وما فيه وكل ما يقدمه لا يعدو كونه جزءاً من «البروباغندا» الأميركية التي أسندت مهمة تنفيذها للبريطانيين.
لسنا بوارد النصح هنا، ولا تسجيل نقاط في وقت تبدو فيه ضريبة الدم التي يدفعها السوريون أكبر من أي اعتبار.. وأقسى من أي حساب.. وأخطر من أي مقارنة مهما تكن اعتباراتها، بل هي محاولة لفهم الدوافع التي لا تكاد تلحظ شيئاً، سوى إطالة الوقت أمام الحسم في المواجهة، وإشغال الجهد الدولي بمزيد من محاولات التسويف القائمة على قدم وساق في كل المقاربات الأميركية، حتى تلك التي تروّج فيها أميركا لخطاب استهداف داعش، حيث تؤشر إلى أن ما يُثار من غبار التكهنات حول الرقة تارة ومنبج تارة أخرى ليس أكثر من ظواهر خادعة غايتها أيضاً شراء الوقت، والمماطلة بما تبقّى من رصيد لبيعه كدفعة على الحساب للقادم الجديد إلى البيت الأبيض.
لن ندخل في سجال تفنيد ما تطرحه أميركا، ولا في تداعيات ومؤشرات متخمة عن غياب جدّيتها وعدم «نضجها» السياسي، بل في توصيف وقائع ما يجري، وفي تحديد المخاطر المحدقة التي باتت تثير زوابع من الشكوك كلما جرى الحديث عن تهدئة هنا، أو تمديد للمهلة هناك، وفي أغلبها إن لم يكن جميعها تتقاطع على محاولة حماية الإرهابيين، ولا نريد أن نغوص في التفاصيل التي يجري تسويقها، وبعض تلك الـمُهل تعطى لجبهة النصرة الإرهابية التي هي في التوصيف الدولي والروسي والأميركي منظمة إرهابية..!!
المسألة ليست حكراً على استنتاج هنا ولا هي في اصطياد بعض القرائن الدامغة هناك، بقدر ما تعني أن ما تسوّقه الافتراضات يقوم على غياب بعض الإجابات وعلى بقاء الكثير من الأسئلة المعلقة وتحديداً ما تثيرها زوابع الحديث عن التهدئة والـمُهل المفتوحة على سكّة المجهول القادم، بينما أميركا تبيع على حسابها وتشتري بما تجود به، حيث السرّية لا تكفي للنفي، وربما قد لا تنفع العلنية للدحض.
بقلم: علي قاسم
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: