قرن على استشهاد أبطال السادس من أيار الذين كتبوا بدمائهم الطاهرة تاريخ وطن ومجد أمة

دمشق-سانا

تأتي الذكرى المئوية لشهداء السادس من أيار تأكيدا على أن دماء الأحرار من كل الوطنيين السوريين الذين قضوا على مشانق السفاح العثماني جمال باشا عام 1916 لم تنطفئ جذوتها في مواجهة أحقاد العثمانية الجديدة المتحالفة مع أعتى قوى الإرهاب الوهابي ضد وحدة وسيادة الجمهورية العربية السورية.

وجاءت جريمة إعدام شهداء السادس من أيار وهم نخبة من المثقفين والوطنيين السوريين على يد طاغية لم يعرف له التاريخ المعاصر مثيلا تمثلت شخصيته في جمال باشا السفاح الذي أسهب الموءرخون في وصف نفسيته وميله المفرط للبطش والإجرام حيث وصف الموءرخ السوري نعيم اليافي شخصية وطباع السفاح في كتاب تناول مسيرة هذا الرجل موضحا أنه كان طاغية في جبلته غدارا في طبعه سفاك دماء في اصول تربيته الفيزيولوجية.

ويبين اليافي أن السفاح كان عضوا في جمعية الاتحاد والترقي تلك المنظمة التركية المتعصبة التي استولت على إدارة الحكم في اسطنبول منذ سنة 1909 حيث تسمى زعماؤها بلقب العثمانيين الجدد معلنين بوضوح برنامجهم القائم على فرض التتريك على البلدان الخاضعة لاحتلال العثمانيين وإطلاق النزعة الطورانية التي تؤكد على رفض الحكم اللامركزي وخنق أي رغبة بالاستقلال وخاصة في البلاد العربية.

وحسب اليافي فإن اختيار قادة الاتحاد والترقي للسفاح “واليا” للاحتلال العثماني على بلاد الشام جاء نتيجة دمويته وبطشه ليوقف الأفكار التحررية التي انتشرت في أوساط واسعة من العرب منذ نهاية القرن التاسع عشر والتي كان المثقفون أول من نادى بها.

وجاءت الجريمة النكراء التي ارتكبها السفاح بعد علمه أن عددا من المثقفين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين يدعون لاستقلال سورية عن الاحتلال العثماني ووقف سياسة التتريك المفروضة على المؤسسات العامة وعلى المدارس وإيقاف إجراءات النفي والاعتقال بحق عائلات عربية بأكملها.

وحاك السفاح مؤامرته بعد أن تجمعت لديه قوائم بأسماء شخصيات عربية ممن يعارضون استبداده عبر إجراء محاكمات صورية في ديوان عاليه العرفي بجبل لبنان والذي أحدثه السفاح كمحكمة عسكرية خاصة سنة 1914 لمحاكمة معارضي الاحتلال العثماني.

وسبق أول إعدام جماعي نفذه السفاح بحق شخصيات عربية عام 1915 جرائم إعدام واغتيالات فردية كما يبين أدهم الجندي في كتابه شهداء الحرب العالمية الكبرى بيد أن السفاح كان يخطط لجرائم إعدام جديدة تطول عددا كبيرا من المثقفين والكتاب والصحفيين من أقطار بلاد الشام.

ويبين الجندي أن عملاء السفاح اعتقلوا 21 من كبار الشخصيات العربية ليخضعوا في مطلع أيار 1916 لمحكمة صورية في عاليه فلم يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم أو توكيل محامين وصدر بحقهم الحكم بالإعدام وبنفي عائلاتهم إلى الأناضول.

واختار السفاح وفقا للجندي أن توزع عمليات الإعدام على مدينتي دمشق وبيروت “ليرعب الأهالي وينشر الخوف من بطشه” فنقل سبعة من هؤلاء إلى دمشق في الخامس من شهر أيار 1916 بقطار تحت حراسة مشددة وقام بعد ذلك بنفي عائلاتهم إلى الأناضول.

ويصف الجندي وصول أبطال الحرية إلى منصة الإعدام في ساحة المرجة بدمشق حيث جيء بهم في ثياب الإعدام البيضاء وعلى صدورهم خلاصة الحكم وكان أولهم الشاعر والأديب الشهيد شفيق بن أحمد المؤيد العظم من مواليد دمشق 1857 وله وقائع مشهورة ضد زعماء جمعية الاتحاد والترقي كما نشط بشدة لنشر أفكار القومية والسعي لاستقلال العرب.

ثاني الشخصيات التي أعدمها السفاح جمال باشا الشهيد عبد الوهاب بن أحمد الانكليزي من مواليد المليحة بغوطة دمشق عام 1878 الذي درس الحقوق وعمل محاميا بينما كان ثالث أبطال الحرية الأمير عمر الجزائري وهو ابن الأمير عبد القادر الجزائري الذي ولد في دمشق 1871 وأعدمه السفاح طمعا بأملاكه ومنها قصره في دمر.

أما رابع هؤلاء الأبطال فكان الشهيد شكري بن علي العسلي من مواليد دمشق 1868 الذي عرف بخطاباته دفاعا عن الأمة العربية ومعارضة التتريك ولاسيما معارضته بيع الأراضي العربية بفلسطين لليهود.

أما الشيخ الشهيد عبد الحميد الزهراوي وهو خامس الشخصيات التي أعدمها السفاح فهو من مواليد حمص 1855 وترأس المؤتمر العربي في باريس سنة 1913 وتعرض مرارا للملاحقة من السلطات العثمانية وعند إعدامه انقطع الحبل به فرفع من جديد وشد من رجليه شداً قوياً حتى قضى نحبه ودفن في مقبرة باب الصغير.

سادس الشهداء الذين أعدموا في السادس من أيار كان الشهيد رفيق رزق سلوم وهو من مواليد حمص سنة 1891 ودرس في الكلية الأمريكية ببيروت ثم في كلية الحقوق بإسطنبول وكان شاعرا وصحفيا كما كان عضوا في الجمعية العربية الفتاة وأنشد قبيل وفاته ابياتا من الشعر يستنهض فيها العرب للثأر من جرائم العثمانيين والمطالبة بحرياتهم فقال “لا العرب أهلي ولا سورية داري .. إن لم تهبوا لنيل الحق والثار كونوا على الترك أبطالاً ضراغمة .. صبوا الصواعق من جمر ومن نار”.

أما آخر المتقدمين إلى منصة الإعدام فكان الشهيد رشدي بن أحمد الشمعة وولد بدمشق 1856 ودرس الأدب والقانون ودعا لمكافحة سياسة التتريك والدفاع عن الثقافة العربية فضلا عن كونه كاتبا وشاعرا معروفا.

وفي نفس الوقت نفذ حكم الإعدام بشهداء بيروت في ساحة البرج التي أصبحت تعرف لاحقا بساحة الشهداء وهم بترو باولي وجرجي الحداد وسعيد عقل وعمر حمد وعبد الغني العريسي والأمير عارف الشهابي وأحمد طبارة وتوفيق البساط وسيف الدين الخطيب وعلي النشاشيبي والعقيد سليم الجزائري والعقيد أمين الحافظ ومحمود البخاري ومحمد الشنطي اليافي والذين أنشدوا وهم في طريقهم لمنصة الإعدام نشيد الشهيد عمر حمد “نحن أبناء الألى…شادوا مجدا وعلا … نسل قحطان الأبي…جد كل العرب”.

إلا أن محاولات المستعمر العثماني إطفاء شعلة الحرية ورفض الاحتلال فشلت واتت بمفعول عكسي كما يوضح الباحث التاريخي محمد الحوراني حيث قال في تصريح لسانا “عندما علق الاحتلال العثماني المشانق في الساحات العامة قبل مئة عام بهدف الانتقام من الأحرار الذين أرادوا الخلاص من نيره كان هؤلاء الشهداء الذين أعدمهم واضعي خطوط النصر وأول من نشر شعار التخلص من العبودية والقضاء على الظلم والاحتلال العثماني”.

ويبين الحوراني أن المحتل العثماني تنبه لخطورة النهضة القومية العروبية على مخططاته الإلغائية التوسعية فأطبق حصاره على أبناء سورية الطبيعية ولاحق الشباب منهم وجندهم في حروبه ووضعهم في مقدمة جيشه على شتى الجبهات للتخلص منهم اولا وعمد إلى ملاحقة واعتقال النخبة من المثقفين والأدباء والكتاب والسياسيين العرب لتصوره أنه بفعلته هذه ينهي التوجه القومي العروبي المقاوم عند السوريين.

ولم تفت الحوراني الإشارة إلى أن مخططات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان تحاول تكرار ما فشل به الاحتلال العثماني مؤكدا أن الجيش العربي السوري يقدم خيرة أبنائه لإفشال هذه المخططات العثمانية مسطرا ملاحم البطولة والكبرياء دفاعا عن طهر بلده لينتصر الدم السوري على المخطط الأردوغاني الإجرامي.

تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :

https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency

تابعونا عبر تطبيق واتس أب :

عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).

تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط:

http://vk.com/syrianarabnewsagency