ما السبب في تماسك الجيش اللبناني؟-بقلم: مهدي دخل الله

أحداث عرسال اللبنانية كانت متوقعة لأنها تأتي في إطار توسيع الدائرة الإرهابية لتشمل كل المناطق والقوى التي تنصر المقاومة أو تؤويها. هذه الأحداث لا يجوز استغرابها، لكن ما هو مستغرب أمر آخر.
هذا المستغرب أمر إيجابي إنه تماسك الجيش اللبناني وسلوكه الوطني على الرغم من الانقسام الحاد في «الإيستابلشمنت» السياسي اللبناني.
والمراقب للتطورات اللبنانية، وهي تطورات تهمنا في سورية بحكم طبيعة الأشياء، يلاحظ أن الجيش هو المؤسسة الرسمية الوطنية الوحيدة التي تماسكت وصمدت في الأزمات أيام نهر البارد والضنية وأزمة عام 2005 وصيدا (فتنة أحمد الأسير)، واليوم يكمل الجيش هذا المشوار الوطني في عرسال.
وهناك تساؤل له ما يسوغه: كيف فرط عقد الجيش اللبناني في عام 1975- 1976 وتشرذم إلى مجموعات تتبع كل منها تياراً سياسياً معيناً، وإذ به في العقدين الأخيرين مؤسسة تحاول أن تعلو على الصراعات السياسية وتنجح في مسعاها هذا؟
يكاد يكون أمراً غريباً أن يكون الجيش متماسكاً ووطنياً في بلد تتصارع قواه وتياراته وشخصياته السياسية حول لون الحليب. لكن معرفة السبب تبطل العجب. السبب هو سورية وما تركته في لبنان. ركزت سورية أثناء وجودها هناك على أمرين استراتيجيين باعتبارهما ركيزتين لحماية هذا البلد الأقرب إلينا ولتعزيز تماسكه. الأمر الأول هو دعم المقاومة، والثاني هو بناء مؤسسة الجيش على العقيدة الوطنية.
منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ركزت سورية جهودها على هذين العنصرين في تكوين قوة لبنان، علاقة سورية مع العنصر الأول، أي المقاومة معروفة ولا حاجة للتذكير بها. أما العنصر الثاني، أي الجيش، فالعلاقة ما زالت بحاجة إلى توضيح..
ركزت سورية بالتعاون المخلص مع قائد الجيش آنذاك، إميل لحود، على بناء مؤسسة عسكرية وطنية خارج نطاق الصراعات السياسية والاستقطابات الطائفية التي تضعف لبنان. وفعلاً بدأ العمل على ترسيخ العقيدة الوطنية لدى الجيش بعيداً عن التمفصل السياسي وصراعاته. وأثناء رئاسة لحود للجمهورية تعزز هذا التوجه وتصاعد وصولاً إلى الوضع الراهن الإيجابي الذي وصلت إليه مؤسسة الجيش..
إن المبادرة السورية، مهما كانت أخطاؤها، تركت في لبنان وللبنان قوتين أساسيتين إذا تمسك بهما اللبنانيون فسيكون في ذلك خلاصهم وتأكيد حقيقة أن قوة بلدهم في قوته وليس في ضعفه كما كان بيير الجميل يقول، هاتان القوتان هما المقاومة والجيش الوطني. وهما اليوم تمثلان «الوجود الحقيقي للبنان»، وإلا لأصبح هذا البلد الشقيق مادة سهلة التكوين وإعادة التكوين وفق منظور أعداء العرب وأعداء لبنان.
صحيفة تشرين