الشريط الإخباري

فضيحة.. والشاهد غزّة

لقد كان من دواعي الكآبة والأسف أن يتابع المتابعون مناقشة “فضيحة آل سعود” في غزة على إحدى الفضائيات العربية، والخبر العاجل أسفل الشاشة يتحدّث عن مظاهرات يساريين إسرائيليين ضد الحرب على غزة!.
مفارقة مثيرة للدّهشة والقرف مما آلت إليه خلاصات نشاط محترفي صياغة الدسائس ومدمني احتساء دماء الأبرياء نخباً للمصافحة مع الشيطان!. إذ لم تكن القضية الفلسطينية يوماً سبباً لخلق اصطفافات ومواقف متنازعة في المضمار العربي، بل الفرضية المنطقية هي أنها تركت موقفاً عربياً موحداً ضد عدو تقليدي هو الكيان الصهيوني المحتل.
أمّا وأن ما اصطلحنا على تسميته قضية العرب المركزية، بات مطرح شقاق، وسلعة معروضة للبيع والمتاجرة في أسواق المزايدات السياسية، فهذا منعطف خطير في منظومة القيم الوطنية، يستوجب المقاصصة المباشرة من مروجيه ومروجي الشقاقات الطارئة إزاء التعاطي مع أهم وأكثر الملفات العربية حساسيةً على الإطلاق.
الواقع أن ثمة سيناريو قذراً يندى له الجبين، تجري فصوله حالياً على خلفيات العدوان على غزّة، أفرز فريقين متنازعين من “عرب الجامعة” المتاجرين بدماء الشعب الفلسطيني، واللافت في الاصطفاف الجديد أن “إسرائيل” تتصدّر قائمة أحد الفريقين المتناحرين على “بورصة الدم الفلسطيني”… فأين أمست القضية العربية في ظل ذلك الجديد الذي لم يكن ليخطر حتى في خيالات أكثر متشائمي هذه الأمة وسوداوييها في نظرتهم لمستقبل الصراع العربي الصهيوني؟!. وعلينا أن نتخيّل نتائج هذه المشادّات المأساوية، ومن هم دافعو فاتورة إطالة أمد أزمة الأبرياء في غزة الجريحة؟!.
إن صدقت سرديّات الكاتب البريطاني ديفيد هيرست حول خفايا “لغبصات” بعض القادة العرب في مجريات المشهد الدامي في غزّة، فهذا يعني أننا – كعرب – نقف على حافة هاوية محققة، ومفترق مصير لابد من التعاطي معه بحذاقة المحترفين وبعناية فائقة، لأننا في مواجهة ليس مع أنظمة، بل مع عصابات متسللة إلى قصور السلطة في أكثر من مملكة وإمارة ومشيخة محسوبة عنوةً على الهوية العربية.
ويبدو أنه علينا التصديق لأن المدعي دفع بوثائق وقرائن إثبات أحرج فيها سفير آل سعود في لندن، الذي كان مثيراً للشفقة بارتباكه الفاضح وهو يحاول نفي الحجج الدامغة بأن بلاده أعطت الضوء الأخضر لـ “إسرائيل” لبدء عملياتها الإجرامية في غزة!.
ولعلّنا ـ نحن السوريين ـ لسنا بحاجة لقرائن دالّة على تورّط المتورّطين من “عرب البترول ووسطائهم” بسفك دماء الأبرياء في قطاع غزّة، لأن ثمة قرائن مشابهة، وبالبصمة ذاتها، هنا على الأرض السورية، ودماء الشهداء والأبرياء تكاد تصرخ دلالةً على الفاعلين والأيدي الآثمة، التي خططت وموّلت وارتكبت أبشع وأشنع المجازر على امتداد بلادنا، التي نزفت قبل غزة وما زالت تنزف، بل قد يكون المشهد في غزة أقلّ إيلاماً ووقعاً معنوياً، لأن الجاني المُعلن هناك هو الإسرائيلي المجرم والعدو التقليدي للعرب، فيما يتفنن “زعماء” عرب هنا في رسم خارطة طريق طموحات سطوتهم بدماء السوريين!.
بقي أن نبحث عمّن يمكن التعويل عليهم في تخليص العالم العربي من العصابات وشُذّاذ الآفاق المتنكرين بهيئة ملوك وأمراء، ولا نعتقد أن تعويلنا سيكون على صحوة ضمير هؤلاء، ولا على الأمريكي الذي يصر على لعب دور شرطي العالم، بل على ثورة الشعوب العربية في البلدان المأزومة بقيادات مُخادعة سطت على الثروات وصادرت النفحة القومية حتى من أحلام الحالمين.
بقلم: ناظم عيد