دمشق-سانا
ساعات قليلة تفصل جمهور دار الأوبرا السورية عن العرض الأول للفيلم السينمائي فانية وتتبدد الذي يترقبه العديد من عشاق السينما السورية والمقرر عرضه مساء يوم غد السبت في القاعة الرئيسية في دار الأسد للثقافة الفنون حيث أنهى مخرجه الفنان نجدت إسماعيل أنزور جميع العمليات الفنية على الشريط الروائي الطويل الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما وكتبت له السيناريو ديانا كمال الدين عن فكرة للكاتبة هالة دياب.
الفيلم الذي يمتد على مساحة ساعتين وربع الساعة من الزمن قام ببطولته نخبة من الفنانين السوريين أبرزهم فايز قزق وزيناتي قدسية وأمية ملص ورنا شميس وبسام لطفي وعلي بوشناق وآخرين.
وعن العرض الأول لهذا الفيلم قال أنزور في حديث خاص لسانا الثقافية “أرى دوراً مشتركاً اليوم بين الفنان والجيش العربي السوري فاليوم لدينا جولة حوار ولدينا حرب على الأرض ولدينا ثقافة ترفض هذه الأشكال من العنف والدول التي ترفع رايات لا تمت للعروبة بصلة”.
وأضاف أنزور إن الفنان السوري يجب ألا يقف متفرجاً على هذه الأزمة بل يجب أن يكون فاعلاً بإيجابية فيها وأن يكون له دور فالجيش العربي السوري يحارب داعش في أرض الميدان وعلى الفنان أن يحاربها فنياً وفكرياً أيضاً وهذه رسالة مهمة جداً نوجهها عبر وكالة الأنباء السورية سانا إلى كل وكالات الأنباء في العالم.
وأوضح صاحب ملك الرمال أن الحرب اليوم ضد الإرهاب لا تقتصر على الحرب في الميدان بل هي في الدرجة الأولى حرب ثقافية وفنية لأنها في النهاية هي حرب وجود يخوضها الإنسان السوري المتمسك بأرضه وثوابته الوطنية ولذلك يجب أن يكون للفنان السوري دور توجيهي وإيجابي وفني عالي المستوى يخاطب عبره الوجدان والإنسانية لأن قتلة داعش يقفون ضد الإنسانية أولاً ونحن كفانين نتعامل مع البشر ومع العقول المنفتحة والنيرة التي تسهم في بناء هذا الوطن.
وتابع صاحب ما ملكت أيمانكم أن فانية وتتبدد هو استمرار لكل الأعمال التي قدمناها عبر سنوات طويلة وحذرنا فيها من الإرهاب التكفيري وتفتيت المجتمعات العربية وللأسف اليوم أصبح هذا الفكر المتخلف والظلامي في كل حي وفي كل شارع من شوارع مجتمعاتنا العربية ويجب أن نقتلع هذا الفكر من جذوره وأن نحاربه بكل الوسائل الممكنة ولهذا لا أجد فارقاً كبيراً في المضمون بين ملك الرمال وبين فانية وتتبدد لأنه في الشريطين سلطنا الضوء على هذه البكتيريا التي تنمو في مستنقع الجهالة والتخلف والرجعية التي ترعاها وتصدرها الوهابية.
وكشف صاحب أخوة التراب أنه في فيلم فانية وتتبدد سنناقش الفكر الظلامي وهو ليس تكرارا لما يقدمه هذا التنظيم الإرهابي على مواقع اليوتيوب والتواصل الاجتماعي أو حتى على شاشات وسائل الإعلام المنحازة لفكر داعش فتقليده يعني أننا لم نقدم ما يمكن أن نسميه فناً سينمائياً بل حاولنا أن نقدم سوية فكرية حاربنا من خلالها هذا الفكر إذ أن الفيلم سيطرح نقاشا فكريا عالي المستوى ولهذا أتوقع له النجاح الكبير.
كاتبة سيناريو الفيلم ديانا كمال الدين تحدثت بدورها عن النص الذي كتبته عن فكرة للكاتبة هالة دياب والظروف التي رافقت إنجازها للسيناريو فقالت “أثناء كتابتي لهذا الفيلم حاولنا طرح العديد من المحاور وتحفيز أسئلة تركنا اجاباتها للجمهور عند مشاهدته له حيث دعونه إلى إعادة التفكير بكل ما حدث وما قد يحدث فنحن اليوم في مجتمعاتنا العربية نعيش تحت نير عبودية مجموعة كبيرة من الأفكار بعضها كان نتيجة واقعنا التاريخي والديني والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي بشكل عام وبعض هذه الأفكار فرضتها علينا الحداثة الاستفزازية التي دخلت على حياتنا العامة بوتيرة سريعة للغاية وفوضوية فجاءت لنا بكثير من الأفكار دون أن تغير شيئا في أفكار متصلبة ومتخشبة ندفع يومياً ثمن استسلامنا لها وتسلطها الهائل على أفعالنا وردود أفعالنا على واقعنا وعيشنا وعلاقتنا بالآخر”.
وكشفت كمال الدين أنها حاولت من خلال النص أن تقول أن داعش ليست خلايا نائمة بل هي أفكار نائمة فهي لم تأت من فراغ بل من احتلال هذه الأفكار لمساحات كبيرة من عقولنا ووجودنا كبشر مضيفة “داعش أتت من هذا الفهم الهش للدين غير القادر على الإقناع وهذه الأفكار لا يمكن مقاومتها والقضاء عليها بالصواريخ والرصاص وحسب بل لابد من مقاومتها بطريقة فكرية ومن هنا تأتي أهمية دور السينما ودور الإعلام ومقاومة هذا الفكر بشكل علمي وليس فقط من خلال قوى عسكرية”.
وعن البطولة النسائية في الفيلم أوضحت كمال الدين “لا أنكر أنني كنت في هذا النص متحزبة للمرأة حتى تأخذ دورها وحقوقها كاملة وهذا ما يبرر البطولة المطلقة لها التي سيشاهدها الجمهور غداً في فيلم فانية وتتبدد فمن خلال الأدوار النسائية فيه حاولت أن أنطق على ألسنة بطلات الفيلم بما أريد قوله كامرأة وذلك من أجل تصوير ما تعيشه المرأة العربية من ظلم وعذاب ليس فقط من قبل الرجل بل من خلال ظلم المرأة لبنات جنسها إذ حاولت أن أطرح سؤالاً مع مخرج الفيلم عن الأسباب التي تدفع امرأة لارتكاب ظلم وتعذيب بحق امرأة أخرى تتقاسم معها ظروف الحيف نفسه”.
وتابعت كمال الدين “أننا نسمع ونشاهد يومياً الكثير من الحالات التي تعرضت فيها النساء للاغتصاب والسبي على يد إرهابيي تنظيم داعش لكن لا أحد يمد يد العون لهؤلاء النسوة ولا يحاول معرفة حجم الضيم الواقع عليهن فلا بد من جهات تسعى اليوم إلى إعادتهن للحياة والاندماج في مجتمعاتهن فاليوم ينظر اليهن نظرة سلبية وهن من تعرضن لظلم لم يقدرن أن يدفعن به عن أنفسهن لنسأل من خلال فانية وتتبدد عن حقوق أولئك النساء وإعادة حقهن الطبيعي بالعيش والكرامة كإنسان ولذلك كان لابد من تغيير نظرة المجتمع بهذا الخصوص.
وأضافت إن السينما قادرة على انتزاع حق النساء اللاتي تعرضن لأهوال وظلم مارسها تنظيم داعش بحقهن فالسينما هي السلاح الأمضى والأكثر فاعلية من أي بندقية وقالت “من نحاربه بالسلاح ليس أشخاصاً وإنما فكراً أسودَ فالنصر في الميدان لا يعني شيئاً إن لم ننتصر عليه بالفكر واليوم ليست السينما مسؤولة عن قتل وإبادة هذه الأفكار السوداء وحسب بل يجب أن يكون ذلك من خلال مناهجنا التعليمية وسياستنا التربوية إذ يتوجب تعريف لكل ما هو حولنا بشكل جذري سواء عبر السينما أو عبر القصيدة والرواية والمنحوتة والعمارة والطب والهندسة والتاريخ.
الفنان بديع جحجاح مصمم السينوغرافيا لفيلم فانية وتتبدد تحدث بدوره عن مستويات تركيب الصورة وعن الأدوات التي استخدمها في الفيلم فقال “كان التزاوج بين رؤية المخرج وبين بناء الفراغ جنباً إلى جنب مع عين المخرج وطريقته في دمج مكونات الفن التشكيلي في كوادره حيث كان هناك الكثير من الصعوبة في هذه المقاربة الفنية بين التشكيل كحد بصري والسينما كحد زمني له ملامح بصرية ولذلك كانت عملية تجسيد الفضاء اللازم لبناء الكادر وأخذ اللقطات وتعمير مشاهد الفيلم وفق رؤيا فنية عملت فيها مع انزور الذي كان لديه فهم عالي المستوى لضرورة حضور فنان تشكيلي يساعد على بناء هذه العلاقة بين هذا الفضاء وعين الكاميرا التي تشمل كل عناصر الضوء واللون والارتفاع جنباً إلى جنب مع زوايا التصوير وموقع العدسة وحضورها في المكان”.
وأشار الفنان جحجاح إلى أن داعش تستخدم في شرائطها الدموية التي تبثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وموقع الفيديو العالمي يوتيوب أعتى أنواع التقنيات البصرية والرقمية ولذلك تأتي حساسية فن السينما في هذه المواجهة لتتحمل مسؤولية أكبر في نقض الصورة التي يبثها مجرمو داعش وتشريحها ومحاولة تفكيكها وتحطيمها فالسينما كما هو معروف تبقى الفن الأكثر رسوخاً في ذاكرة المجتمعات والتاريخ فهي وثيقة عن زمان ومكان وإنسان رفض بقوة كل هذا النوع من ثقافة الموت والقتل والتهجير وهدم الحضارات.
وأوضح جحجاح أن السينما قادرة على صياغة الأحداث الكبرى في حياة المجتمعات المتحضرة بما فيها تاريخ الحروب وواقع البشر في الكوارث العظمى فالسينما هي ذاكرة أبدية لا تنتهي إطلاقاً ومن هنا جاء عملي مع المخرج أنزور على مقولة أن “الرصاصة زائلة والكلمة باقية وبالتالي السينما هي أحد أهم الروافد العظيمة لمقاومة الفكر الظلامي وفضحه من الداخل وتعرية خطابه الوحشي من خلال عين أنزورية اعتدنا عليها وتربينا على أحلامها بعالم خير وعادل وهذا ما حدث في فانية وتتبدد حيث لم نلجأ إلى حالة بوهيمية أو ضبابية في صياغة الخطاب السينمائي لا على صعيد السيناريو ولا على صعيد الإخراج أو حتى السينوغرافيا بل من خلال خطاب واضح وصريح لإدانة الفكر الداعشي وأبجدياته القاتلة”.
وأضاف صاحب مشروع تفكير أفلا أنه في عمله على سينوغرافيا الفيلم اعتبر أصحاب الرايات السوداء عبارة عن كتلة لونية تذوب على الجدران والأشجار والأبنية لتلغي كل هذا النبض اللوني الساحر الموجود في الإنسان والمكان السوريين على حد سواء لذلك سيرى المشاهد في كل كادر من كوادر الفيلم حالة من الغبار والرماد التي تلغي وتبيد كل نبض لوني كناية عن أفعال وممارسات أصحاب الرايات السود حيث سعى هذا التنظيم للقضاء على هذا النبض اللوني فينا؛ وهذا نوع من التحكم بالعنصر عبر فن السينوغرافيا ومدى إمكانية أن أعطي عبر إيحاءات الفن المعاصر عن شخصية داعش الدموية السوداء في محاولة لتقديم إضافة على الحالة العامة للفيلم.
وتابع جحجاح أن العلامات والعناصر البصرية المحيطة بالخطة الإخراجية أتت تبعاً لضرورة المشهد وعملية بنائه أمام الكاميرا لاختلاف المغزى المراد إيصاله عبر هذه الصورة أو تلك أو عبر هذا الكادر أو ذاك مشيراً إلى أن الدرويش الذي اشتغل عليه في لوحاته كان كحنظلة ناجي العلي ليكون شاهداً على ما يجري وبالتالي الدرويش السوري الشامي علامة بصرية اجترحتها من عمق التاريخ والثقافة الإسلامية ومن حالة التصوف العالية الموجودة في هذه الثقافة النورانية ولذلك سيلمس الجمهور من خلال الفيلم مشروع التفكير أفلا مبينا أن الدرويش كان حاضرا في داخله أثناء العمل على صياغة الفضاء الخاص بفانية وتتبدد وهي القدرة الروحية والمبطنة لهذا الدرويش السوري في مواجهة سكاكين داعش وبزاته البرتقالية المشؤومة.
وينتظر الجمهور السوري عرض فانية وتتبدد بعد بث ملخص برومو عنه أثار جدلاً واسعاً منذ بثه على موقع الفيديو العالمي يوتيوب لتأتي هذه التجربة بعد آخر عرض لفيلم ملك الرمال لانزور الذي أثار العديد من النقاشات والسجالات حول تاريخ بني سعود ونشأتهم المشبوهة في قلب الجزيرة العربية وسيطرتهم على مقاليد الحكم هناك بعد صفقة بينهم وبين الغرب ومباركة بني سعود بالموافقة على منح اليهود وطناً لهم في فلسطين.
ويروي الشريط الذي غنت أغنية الشارة له الفنانة ليندا بيطار وأدار تصويره الفنان يزن شربجي وصممت له الأزياء سحاب الراهب ووضع موسيقاه التصويرية الفنان فراس هزيم حكاية مجموعة من النساء اللاتي يقوم تنظيم داعش الإرهابي باختطافهن وكيف يتعرضن لأعتى عمليات التعذيب والإهانة باسم الدين إذ ينقل أنزور كاميراه إلى مستويات الصدام وتعرية الإرهاب الدولي وممارساته الدموية في سورية والعراق.
سامر اسماعيل
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: