في سلسلة الاجتماعات الطارئة والسريعة من أجل التحشيد السعودي للفتنة، وهي اجتماعات لم تحدث يوماً بهذا التصميم والحدّية من أجل فلسطين، ربما كان مشهد الدول العربية الخانعة للريال السعودي، في مقر الجامعة، هو الأكثر تعبيراً عن مأزق، ومستقبل، العرب في عالم متغيّر بامتياز.
والحال فإن التسريبات المتعددة من داخل قاعة الاجتماع أكدت أن الأمر والقرار العربي قد أصبح في يد الحزب الوهابي الحاكم بقوة “إقناع” البترودولار التي لا تُقاوم، وخاصة إذا اجتمعت مع سيف الإرهاب الذي أصبح العالم شرقاً وغرباً يعلن أن قبضته وغمده في الرياض لا في سواها.
بيد أن قراءة ما بين السطور ومتابعة المشهد الانتحاري، الذي تُحاول الرياض جرّ الجميع إليه، يؤكد “السياسة المتهوّرة” لما يمكن تسميته بـ “السعوديين الجدد” على مثال “المحافظين الجدد”، مع الفارق الكبير في التكوين الثقافي والمقدرة الفكرية بين الجانبين، ومع التأكيد على أن فترة حكم “البوشيين” كانت كارثية على بلادهم والعالم كله، وهو، على ما يبدو، ما ينتظر المنطقة والعالم في فترة “ولاية” المحافظين السعوديين الحالية.
وبهذا الإطار الانتحاري يمكن لنا أن نفهم تزامن هبوب رياح “عاصفة الفتنة” السعودية ضد إيران وحزب الله، مع ارتفاع نبرة وشروط “معارضة الرياض” للمشاركة في “جنيف3” وحديثها عن ضغوط دولية تتزايد عليها للتنازل عما تدعوه بالثوابت، بأنه دليل آخر على محاولة الرياض استباق الحقائق القائمة، والقادمة، بمحاولة لي عنقها وكسر “الجرّة السلمية”، وخاصة مع الفشل في تطويع القرار الأممي 2254 عبر الانفراد بتشكيلة الوفد المفاوض أو لائحة المنظمات الإرهابية.
بيد أن الأمر أبعد غوراً من خوف حكام الرياض وارتباك “معارضتها”، وهو ما يحاول الجميع التغطية عليه، ومفاده أن العقل الثاوي خلف هذا “الهياج” تحكمه فكرتان، الأولى هي الخوف من انتصار دمشق بصبغتها التعدّدية المنفتحة المتنوّرة، وتزامنه مع انفكاك أغلال العقوبات عن إيران وصعود الدور الروسي، وتأثير ذلك كله بالتالي على التركيبة الخليجية والإقليمية التي رعتها واشنطن منذ لقاء “روزفلت-عبد العزيز” على متن “المدمرة كوينسي”، والثانية الانخراط في سياق عملية كبرى لكيّ الوعي العربي بهدف استغلال “الحقبة” السعودية الحالية للانتهاء من عملية نقل “إسرائيل” من صورة العدو التاريخي و”الكيان” الغريب المزروع خارجياً في المنطقة، إلى صورة الحليف التاريخي و”الدولة” الطبيعية، وتلك قضية لا تملك واشنطن التهاون بشأنها في مرحلة انتقال الاهتمام الاستراتيجي إلى الشرق الأقصى.
وبالطبع ليس مهماً، في هذا السياق الكبير والخطير، الالتفات إلى حديث “معارضة الرياض” عن الضغوط الدولية لأسباب عدة، أهمها أن هذه المعارضة التي راهنت، منذ البداية، على العامل الخارجي تمويلاً وتسليحاً ورعاية، هي، بتكوينها البنيوي، نتاج إرادة خارجية، والجميع يذكر كيف نعت “هيلاري كلينتون” في بيان واحد “مجلس” اسطنبول وأعلنت ولادة “ائتلاف” الدوحة، كما يعرف أن الصورة الأخيرة لهذه المعارضة، أي “هيئة المفاوضات”، التي تستعد “لدورة تدريبية من خبراء أميركيين وغربيين حول أصول التفاوض والقانون الدولي والدبلوماسية” للتحاور مع “أشقائهم” السوريين!!..كانت استجابة كاملة للأوامر السعودية، إلّا إذا أقنعنا البعض بأنه كان استلهاماً لتجربتها الديمقراطية العميقة والمتجذرة.
لكن هذا المسار السعودي الانتحاري يبقى، رغم ادعاءات “الحزم” والاستقلالية وخنوع وزراء الخارجية العرب، معلّقاً على قرار السيد الأمريكي، وربما كانت أولى مؤشرات هذا القرار وأبرزها لائحة المنظمات الإرهابية، فالتأخير فيها أو صدورها مقتصرة على الرؤية الغربية للإرهابيين، يعني إدارة مديدة لأزمة المنطقة كلها، وأخطر من ذلك، منح السعودية ضوءاً أخضر للمتابعة في مسارها الفتنوي الانتحاري، وهنا يجب التنبيه إلى أن “التعقّل لا يدوم من جانب واحد”، وبالتالي فإن ما قد يحدث، ونأمل ألّا يحدث، سيكون مسؤولية واشنطن بالطبع، ولكن مسؤولية العرب أيضاً، الذين اختاروا “البصم” على “أمر اليوم” السعودي، بدل نصرة أخيهم برده عن ظلمه، بحسب الحكمة النبوية الشريفة.
أحمد حسن
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).