«على ضوء الوضع في سورية ينبغي التفكير بشكل مختلف» بهذه العبارة عنونت صحف العدو الصهيوني بعض مقالاتها التي تؤكد ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لأوباما عشية زيارة الأول إلى الولايات المتحدة قبل أيام, وتشكيكه في «إمكانية توحيد سورية في دولة واحدة», متناسياً أنها كانت, ومازالت دولةً موحدة متماسكة ذات سيادة كاملة, حتى ولو بدا لإرهابييهم أنهم يسيطرون على بعض مناطقها التي ستعود حتماً إلى حضن الدولة السورية بسواعد الجيش العربي السوري الذي أثبت اقتداراً منقطع النظير وبسالةً ستدرّس في كيفية صون الأوطان والحفاظ عليها في وجه المعتدين والغزاة.
الفرضية التي يحلم بها نتنياهو هي «انهيار الدولة السورية» الذي عوّلت, وتعوّل عليه «إسرائيل» نفسها والولايات المتحدة, والغرب الاستعماري الداعم للصهيونية العالمية, وما خططوا له, وذلك عبر إرهاب المرتزقة من «داعش» إلى المجموعات الإرهابية كلها التي تمّ دعمها وتمويلها من السعودية وقطر وتركيا ودول التآمر الغربي, وخطّط لها تشكيل نواة سيطرة على مناطق في سورية تسمح لها «بتقسيم» البلاد وتجزئتها وفق المشروع الصهيوني المعدّ للمنطقة بعامة وسورية بخاصة.
هذه الفرضية التي شكلّت الأرضية لمحادثات نتنياهو مع أوباما تأتي لتأكيد الطرح القديم لمسؤولي «إسرائيل», من حيث إن الحرب على سورية, وسيطرة «داعش» وتنظيمات إرهابية أخرى تنتمي «للقاعدة» أمر يمكن أن يسمح «لإسرائيل» بالحصول على أكثر من «اعترافٍ» دولي «بضم» الجولان السوري المحتل إليها, كما أبرزت صحف العدو نفسها.
«فإسرائيل» ترى أنه, في خضمّ الحلول والتسويات, عليها «اقتناص الفرصة» – التي هي في رأي صحفها- قد تكون سانحةً اليوم أكثر من ذي قبل, عبر «ضمّ» الجولان, وبشكل نهائي, وبقرار من الكونغرس, واستناداً إلى التعهدات الرئاسية الأمريكية لمن سبق من رؤساء, ولمن سيأتي.
وإذا كان نتنياهو لم يجب صراحةً في مؤتمر صحفي بشأن هذا الموضوع, لكنه ترجم في أحاديثه المغلقة آراء مسؤوليه «بضرورة اقتناص الفرصة بشأن الجولان حالياً».. وها هو «بسفي هاوزر» يكتب تحت عنوان «فرصة تاريخية في الجولان» استناداً إلى ما خُطّط له من مؤامرات «لانهيار الدولة السورية» الذي سعت إليه كل أطراف الاستعمار والتآمر قائلاً: «إن أمام إسرائيل فرصة حقيقية, هي الأولى من نوعها منذ ما يقرب من نصف قرن لإجراء محادثات مع المجتمع الدولي لتغيير الحدود في الشرق الأوسط, والحصول على اعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان.. ويجب على إسرائيل العمل للحصول على وديعة أمريكية تشمل الجولان, إضافة إلى تعهّد رئاسي أميركي, وسنّ قانون في الكونغرس يضمن السيطرة الإسرائيلية على الجولان, كما يجب على إسرائيل العمل لتطوير الضمانات التي أعطاها الرئيس جيرارد فورد لرئيس الحكومة الأسبق اسحاق رابين سنة 1975».
إذاً, تغيير «الحدود» هو ما تعوّل عليه الصهيونية العالمية, بغرض فرض «سايكس بيكو» ثانية, وهو أحد أبرز الأهداف الرئيسة في الأجندات الغربية القائمة على تنفيذ المشروع التقسيمي المهيّأ للمنطقة بعامة وسورية بخاصة… سورية التي لم يدرك القائمون على هذا المشروع ومعدّوه أنها مقاومة شرسة لكل مَنْ تسوّل له نفسه الاقتراب بالأذى من سيادتها واستقرارها ووحدة أرضها على نحو أذهل العالم, وهي تقف صلبةً في وجه تنفيذ هذا المشروع الذي بنت عليه كل قوى التآمر الغربي والعربي والصهيوني أحلامها.. وها هو يطّل برأسه حالياً من النّيات العدوانية المبيّتة في الذهن الإسرائيلي, عبر محاولة الانقضاض على الجولان.. في أبسط الأحوال, في معطيات «اقتناص الفرص».
لكن, كل هذا اللهاث المسعور وراء ما قيل إنه «فرصة تاريخية» للحصول على وديعة الجولان سيذهب هباءً لأن هذه الفرصة -كما يسمونها- غير قابلة للحياة, بفضل القدرة الفائقة التي أبداها, ويبديها الجيش العربي السوري وحلفاؤه على إسقاط مشروع الهيمنة على المنطقة.. فسورية عمق التاريخ, هي مَنْ يصنع التاريخ, وهي مَنْ يضع عناوينه.
بقلم: رغداء مارديني