الاستثمار في “اللجوء”-صحيفة البعث

لأن السياسة، كما يمارسها العالمون بدهاليزها لا كما يمارسها الهواة، لا تعترف بالصدف والمفاجآت، ولأن الإعلام العالمي تابع لمن يمسك بخيوط اللعبة السياسية العالمية، فإن السياسة الأوروبية اتجاه قضية اللاجئين والاهتمام الإعلامي الكبير المرافق لها، هما أمران مريبان للغاية ويجب الحذر منهما.

ومن البداية لا بد من التأكيد أن مجرد وجود قضية اللاجئين هو دليل آخر على ظلامية هذا العالم وقبحه، وأن هذه القضية تستحق اهتماماً واستنفاراً محلياً وعالمياً أكثر من ذلك بكثير، بدءاً من تحديد أسبابها ودوافعها والجهات التي تتحمّل المسؤولية عنها، وصولاً إلى تقديم حلول مرحلية لاستيعابها، وإجراءات طويلة الأمد للحد منها وإعادتها إلى المستويات الطبيعية المشروعة والمبررة.

وجه الريبة والحذر ينبع من إبراز أوروبا وإعلامها للقضية من ناحيتين، الأولى تتعلق بالدوافع الإنسانية البحتة، والثانية بحاجة بعض دولها للأيدي العاملة، وهما أمران يحتاجان لفحص وتدقيق مكثفين، فالحقائق السياسية الباردة تقول: إن أوروبا لم تحفل يوماً بأمور إنسانية مثل هذه، خاصة وأن جريمة بعض “ساسة الصدفة” فيها في تهجير الليبيين مثلاً هي، بلغة القانون، جريمة موصوفة لم يمر عليها الزمن بعد، ثم إن مساهمتها الكاملة والمقصودة في “هجرة الجهاديين” من أراضيها إلى سورية والعراق لم تهز شعرة في رأس سياسي هناك، والأهم، أوروبا ذاتها هي من تقوم بالتكافل والتعاضد مع واشنطن وبعض العرب بإطباق حصار اقتصادي خانق وغير مشروع على السوريين يمنع عنهم الماء والهواء، وليس له في النهاية إلّا دفعهم للهجرة ومغادرة البلاد.

ثم إن الحقائق الاقتصادية، الباردة أيضاً، ترسم شكوكاً عديدة حول الأمر الثاني، فالقارة العجوز تعاني، وفق منظمة العمل الدولية، من وجود أكثر من 26 مليون أوروبي من دون عمل، ومن معدل بطالة وصل لمستويات مقلقة في ظل سياسات التقشف التي تمارسها حكوماتها، بل وأكثر من ذلك، إن أوروبا كلها هي “عوامة على وشك الغرق”، بحسب وصف المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس-كان.

وباجتماع ما سبق مع مفارقة إعلان دول أطلسية معينة زيادة انخراطها في مواجهة “داعش” كما تقول، مع إبداء قلقها، في الوقت ذاته، من ازدياد الانخراط الروسي في مواجهة “داعش” أيضاً، يعني أن هناك من يخطط لاستغلال ملفي اللجوء، باعتباراته الإنسانية، و”داعش”، بصفته الإرهابية، في العدوان المستمر على دمشق، وإذا كان البعض يشير بتفاؤل إلى بعض المؤشرات الإيجابية التي تصدر من ساسة أوروبيين حول ضرورة الحل السياسي للأزمة في سورية، فإن هذه المؤشرات بالتحديد، هي التي يجب أن ترفع منسوب الحذر لدينا، لأن بعض المتضررين من هذا الحل سيحاول بكل “حقده” عرقلته.

إذاً هما طريقان لا ثالث لهما، فإما تقتنع أوروبا، ومعها أمريكا، بأن “انتصار سورية على الإرهاب هو انتصار للجميع لأنه باتت هناك أممية في الإرهاب”، كما قال ميخائيل بوغدانوف، وبالتالي يتجه الجميع لمعالجة مشكلة اللجوء وأسبابها الرئيسة المتمثلة بالإرهاب الداعشي وأشقائه، وبالحصار الاقتصادي الغربي الخانق والجائر على سورية، أو يتجه فريق العدوان لاستثمار “مأساة اللجوء” في استكمال معركة تدمير سورية، وبالتالي زيادة حدة الهجرة وتفاقم مشكلة اللجوء.

أما من يقرر أي الطريقين ستسير عليه الأمور، فهما أمران، استمرار الصمود الشعبي السوري، وهذا ما يتطلب جهداً أكبر من الجميع، وخاصة الحكومة، لتوفير أسبابه، وثانياً الميدان، وهذا له رجاله الذين لم ولن يبخلوا بشيء في سبيل تحصين الوطن وصيانته.

بقلم: أحمد حسن