كثيرة باتت المبادرات، وقليلة هي الأفعال، فيما يتعلق بالأزمة في سورية، وكلما لاح بصيص أمل بأن ثمة جديّة لدى المجتمع الدولي بوقف نزيف الدم، وإنهاء حال التشرد والقتل والدمار الذي عاشه الشعب السوري خلال أربع سنوات ونيف من عمر الحرب عليه، من أربع رياح الأرض، تستجد مواقف يسوّق لها على أنها مبادرات تنسف الأمل وتعيدنا إلى المربع الأول.
إيران طرحت أفكاراً بالتشاور مع الحكومة السورية، وكانت بمثابة خطوط عريضة يمكن البناء عليها وتسويقها في المحافل الدولية، ليفاجئنا مجلس الأمن بقرار من أربع نقاط لحل الأزمة، يمكن وضعه في خانة العموميات والتحليل متعدّد الأوجه، وهذا ما تحقق في اليوم التالي لصدوره، عندما فسّرته أمريكا وفق ما تقتضي مصالحها ويظهرها بمظهر المنتصر، وهنا نسأل: إذا كان المجتمع الدولي جادّاً في البحث عن مخرجات للأزمة لماذا لم يأخذ بالاعتبار المبادرة الإيرانية ويبني عليها ويبحث في لبّ المشكلة ألا وهو الإرهاب، الذي تفشّى وبات يهدّد أمن العالم برمته؟.
الجواب أصبح واضحاً للعيان أن من أشعل النار في المنطقة وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه ليس بوارد إخمادها، فدجاجة داعش، التي تبيض ذهباً ينصبّ في خزائن أمريكا وبريطانيا وفرنسا من جراء صفقات السلاح وغض الطرف عن جرائم آل سعود في اليمن وقتل أردوغان لجزء رئيسي من شعبه، لن يتم الاستغناء عنها بسهولة.
بعبارة أوضح أمريكا، التي اختارت إدارة الحرب من الخلف مستغلة نفوذها وأذرعها الأخطبوطية، تريد الاستثمار في الحرب على الإرهاب إلى أبعد مدى ممكن، ولأنها لم تُعد جيوشها إلى أرض العرب تركت فراغاً يعمل أذنابها في المنطقة على استغلاله، إما لترحيل أزمات داخلية، كما حدث في تركيا حيث يحاول أردوغان من خلال خلق حال من عدم الاستقرار على أرضه ليثير حالاً من الهلع لدى شعبه تجعله يصوّت لحزبه في الانتخابات المبكرة التي دعا لها قبل يومين للحصول على أغلبية تمكنه من الاستفراد بالسلطة، وإما لإبعاد مخاوف من تمدّد نفوذ إيران في المنطقة كما تتوّهم السعودية لتبرّر حربها على اليمن الشقيق.
وفق هذه المعادلة تسير حقيقة الأمور فيما المبادرات التي تطرح في الغرب لا يتعدى المطلوب منها إرضاء الرأي العام الغربي بأن حكوماته تحارب الإرهاب وتعمل على وقف زحفه، وبالتالي فإننا لن نشهد تبدلاً حقيقياً في المواقف الأوروبية والأمريكية إلّا نتاجاً لما تفرضه وقائع الميدان العسكري، فكلما تقدّم الجيش العربي السوري نزلت أمريكا وحلفاؤها عن شجرة المطالب العالية، كما أن حدوث عمليات تخريبية في أوروبا يرتكبها التكفيريون العائدون من سورية تشكّل عامل ضغط آخر على أصحاب الرؤوس الحامية للاعتراف بأخطائهم الاستراتيجية والعودة للغة العقل التي يمكن من خلالها معالجة أزمات المنطقة كافة.
من هنا فإن ما يطرحه الغرب من مبادرات ليس لحلحلة الأزمات وإنما لنسف كل الجهود الخيّرة الساعية إلى إيجاد تسويات وفق رؤى تقررها شعوب المنطقة ويتوقف دور الخارج عند تجفيف منابع الإرهاب وإلزام الدول الراعية له بوقف دعمها وتدخلاتها العدوانية السافرة.
وعليه فلا يمكن أن يستقيم الحال بأن يحل أزماتنا من تسبب بها، وينفخ في نارها لتحقيق أهدافه في تدمير ما تبقى من بنى ويحاول حرف بوصلة الصراع من عربي صهيوني إلى عربي-عربي بل داخل البلد الواحد، وبالتالي فإن الحل في النهاية بأيدي الشعب السوري، بمساعدة الأصدقاء، الذين يعملون على تقريب وجهات النظر بين السوريين أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً، لحل الأزمة دون تدخل خارجي، وبما يحفظ وحدة سورية واستقلال قرارها.
إعلان موسكو التحضير لمؤتمر “جنيف3″ يشكل فرصة للسوريين للخروج بموقف وطني جامع وفق معادلة رابح- رابح يجري عرضه أمام المنظمات الدولية، وهو سيكون مكملاً لعمليات الجيش العربي السوري في الميدان في محاربة الإرهاب، وفي ذلك السبيل الوحيد لوقف سفك الدماء والدمار وتخليص الشعب السوري من رجس الإرهابيين.
عماد سالم