“النجاة غرقا”.. الأزمة في مجموعة قصصية

دمشق-سانا

تضمنت المجموعة القصصية “النجاة غرقا” للكاتبة حنان الحلبوني خمسا وعشرين قصة قصيرة حملت بصمات الواقع الراهن بكل تداعياته على السوريين من النزوح والهرب من براثن الإرهاب والخوف والغلاء والفقر والغربة.

واستخدمت القاصة عنوان المجموعة النجاة غرقا وهو عنوان أولى قصصها في نوع من الانزياح اللغوي نحو التشاؤم ليعطي الطابع العام للقصص التي كتبت بأسلوب الواقعية الصلبة وخرج بعضها نحو الواقعية السحرية إذ يختار بطل قصة النجاة غرقا الشاب جمال أن يموت غرقا بعد فشل رحلة الهجرة غير الشرعية التي قام بها هربا من الحرب التي تتعرض لها بلاده بعد ان استشهدت حبيبته بقذائف الغدر التي انهالت على مقصف كلية الهندسة حيث كانا يدرسان.

وتفضح الكاتبة في قصة أبحاث المجتمعات الغربية التي تدعي الدفاع عن الحريات اذ تتخلى عن واجبها الاهم في مساعدة المحتاجين والجائعين لتجري ابحاثا عن ردود الافعال العصبية والنفسية لدى الاطفال الجياع لصالح احدى الجامعات الدولية.

ومن خلال قصة الصورة تشير الكاتبة بالرمز إلى تاريخ الشعب السوري وطبيعة الارث الذي يتناقله الابناء عن الاباء فالطفل جاد الذي يحطم بالخطأ صورة والد جده الشهيد في معركة ميسلون يضع صورة والده الذي استشهد فجأة بقذيفة غدر مكان صورة الجد.

وفي قصتي المزاد العلني ومشروع تجاري ناجح جدا تتحدث الحلبوني عن التجار الذين تاجروا بكل شيء حتى الدماء مستغلين حاجة الناس وفقرهم وخوفهم عبر مشروعات تجارية من بيع الخيام إلى عصا للقفز يستخدمها المشاة لتجاوز الاختناق المروري.

وتؤكد الحلبوني أن للظلم نهاية ففي قصة قاطع الرؤوس تصف الخوف الداخلي الذي يسيطر على قاطع الرؤوس رغم قوته الظاهرية إلى أن تكون نهايته بقطع رأسه بأمر من اسياده أما قصة قبري انا فنجد ما تعرضت له معظم بيوتنا من نهب وتدمير وسرقة على يد الإرهابيين.

وتصور الكاتبة آلام الاوطان التي ترفض أن تتمزق وان تنقسم كما هي آلام الجسد فمن خلال الكف الذي قطع عن الجسد في قصة رحلة كف تشير إلى آلام الوطن العربي عندما قاموا بتقسيمه واوجاع سورية عندما سلبوا منها لواء اسكندرون فاجزاء الجسد واجزاء الوطن متشابهان كلاهما لهما ذاكرة والاوطان تتألم كما الانسان.

ورغم التشاؤم الذي لف قصص الحلبوني الا انها تترك باب الامل مشرعا فهي تؤكد في قصتها امل بأن الامل موجود دائما للخروج من الصعاب والمحن فبطل القصة الذي يحمل اسم امل هو ابن الشهيد الذي ربته امه وكان املها الوحيد في هذه الحياة كبر وصار مهندسا وعندما غادرا بيتهما تحت وطأة الظروف عاد اليه امل رغم المخاطر لاحضار صورة والده الشهيد وقدمها لامه وغادر طالبا دعاءها لانه ذاهب ليعيد لها بيتها الذي هجرت منه.

ويتجسد الخيال بشكل كبير في اكثر من قصة منها مارد البابور وخطأ طبي المعجزة حيث تحاول الكاتبة عرض تفاصيل لا تحدث إلا في الخيال والاحلام لكنها ذات رمزية كبيرة لمحاولة الخروج عن المألوف وتقديم تفسيرات متعددة الوجوه.

كما تثير الحلبوني على مدى المجموعة ..كلما اتيح لها ذلك.. وصفا مشوقا وجميلا لجمال دمشق واماكنها التراثية كما في قصة حب دمشقي حيث وصفت بردى بالنهر العاشق الذي خبأ حكايا العشاق وكتم اسرارهم كما نجد ذلك في قصة لا قمر هنا حيث يتذكر بطل القصة في الغربة طيور الجامع الاموي وليالي الشام وقمرها ويردد البطل في غربته التي اختارها مجبرا من يردني الان إلى دمشق ويسقيني كأسا من بردى فيرد الي روحي.

ولم تغفل القاصة عن التطرق إلى مواضيع تخص المرأة واحلامها بالزواج والامومة ومعاناتها الاجتماعية اذ لم يسعف بطلة قصتها صاحب النصيب الحظ بالزواج رغم ما تحققه من نجاح في العمل وينطلق حوار بين البطلة وخيالها بأن صاحب النصيب هو الرجل الجالس إلى جوارها في حافلة السفر وهو الفرصة التي تبحث عنها لتكتشف انه مجرد حلم.

أشخاص القصص جاءت تارة تحمل اسماء وتارة تكتفي الكاتبة بالصفات والاحداث للدلالة على الشخصية وقدمت معظم القصص بطريقة سرد الراوي محاولة ألا يشعر القارئ بالغربة عنها فهي واقع معاش نتيجة الازمة منذ ما يقارب خمس سنوات حددت الكاتبة الزمان والمكان ووثقت لصور يومية واقعية بلغة سهلة مشوقة.

يذكر أن المجموعة من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2015 وجاءت في 107 صفحات من القطع المتوسط.

ايناس سفان