دمشق-سانا
يجتمع الثنائي الناجح فادي قوشقجي والمثنى صبح مرة جديدة ليقدما المسلسل الاجتماعي “في ظروف غامضة” في محاولة لعرض إشكاليات وقضايا اجتماعية واقعية متشابكة ولكن في هذا العمل تم تشريح شخصيات من الواقع الاجتماعي السوري في فترة ممتدة من قبل الأزمة وصولا إليها بقالب مثير ومشوق يرتكز على جريمة بشعة قام بها شاب بقتل أسرته والانتحار لتأخذ شقيقته الناجية الوحيدة من الأسرة المفجوعة بكشف المستور يوما بعد يوم وصولا إلى الحقيقة.
وكعادته يلعب قوشقجي بحرفية مميزة في القصة التي يقدمها متجنبا الوقوع في كثير من أشراك أسلوب الكتابة المعتمد على الذاكرة والخلط بين الحاضر والماضي عبر سرد الحكاية من خلال عدة أشخاص وعرض العلاقات بينهم حتى تكتمل القصة كمن يركب الصورة بقطع بزل وكل ذلك بقالب مشوق ولطيف دون المغالاة في التشويق أو الإثارة المجانية ما يخرج العمل من القالب البوليسي الذي اعتاد عبره الكتاب تقديم مثل هذه القصص مع حوار واقعي لشخصيات تشبه الناس في الحقيقة ومع عدم تجاهل الجدليات الحوارية الفكرية التي يمررها قوشقجي عادة في كل أعماله مع سير مجريات العمل قدما وصولا إلى الذروة ومن بعدها التقدم باتجاه الخاتمة ما يشي دائما بوجود مشروع لدى الكاتب يسعى إلى تحقيقه من خلال أفكار حداثية عرفت عنه.
أما المثنى صبح فيجدد عبر ظروف غامضة التأكيد على بصمته الإخراجية الخاصة عبر صورة تلفزيونية لا تشبه سواها وحركة كاميرا رشيقة وزوايا تصوير مدروسة تساعد الممثلين على الأداء بشكل سلس وطبيعي دون مبالغات إخراجية معقدة إلى جانب اعتماده على الإضاءة الطبيعية وأماكن تصوير حقيقية مستفيدا من خيارات عديدة سواء في المشاهد الداخلية أو الخارجية متغلبا على محدودية أماكن التصوير الخارجية بسبب الظروف الصعبة جراء الأزمة مع الابتعاد قدر الإمكان عن التكرار والنمطية في الصورة عند تقديم الشخصيات نفسها في الأمكنة ذاتها إلى جانب محافظته على متانة النص وعدم السماح للملل أو البطء في السرد وفي تسلسل الأحداث بأن يصلا إلى المشاهد ما يعد بالمحافظة على الإداء ذاته في الحلقات المقبلة.
الأداء التمثيلي لأبطال العمل جاء حتى الآن جيدا كالمتوقع من أغلبهم خاصة مع ابتعاد أغلب الأدوار عن الشخصية المركبة أو القائمة على شكل مبالغ فيه بجانب من الجوانب ما جعل مهمة تقديم هذه الشخصيات الواقعية أمرا يحتاج إلى حرفية لإيصالها دون مبالغة في الأداء وبشكل طبيعي لا يثير حفيظة المشاهد إلى جانب اعتماد العمل على البطولة الجماعية فيقدم الجميع أدوارهم بطريقة جيدة ومنهم نسرين طافش وسلوم حداد ووفاء موصلي ونجاح سفكوني وأمانة والي وأخرون.
مع تقدم مجريات العمل يزداد التشويق وجرعة الإثارة ترتفع لمعرفة حقيقة ما جرى من أحداث والتي تتكشف أمام دارين الأبنة الناجية من المجزرة وكأنها تتعرف على أفراد عائلتها للمرة الأولى ولا نعرف إلى أي حد ستصل المفاجئات المتتالية وكيف ستكون الخاتمة بانتظار أن يكون هذا العمل ضمن توقعاتنا بتحقيق فرجة تلفزيونية ممتعة وراقية تحترم عقل المشاهد.
محمد سمير طحان