قبل أن تجف دماء ضحايا المجزرة المروعة التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية المسلحة في حلب، استهدف الإرهابيون بقذائف غدرهم وحقدهم، أول أمس، أحياء سكنية في دمشق وريفها، ما أسفر عن استشهاد وجرح عشرات المدنيين. وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد خلال استقباله المبعوث الأممي دي مستورا في اليوم نفسه، فإن “التزام الصمت حيال جرائم الإرهابيين من شأنه أن يشجعهم على الاستمرار في إرهابهم”.
إرهاب قلّ أن عرفت البشرية مثل وحشيته، وصمت إجرامي لا يقل عن الجرائم ضد الإنسان السوري التي يرتكبها عتاة الإرهابيين الذين أطلق عليهم داعموهم الدوليون والإقليميون اسم “المعارضة المسلحة المعتدلة”، لتجميلهم، وإخفاء هويتهم الإرهابية التكفيرية التي تعبّر عن نفسها كل يوم بمزيد من الجرائم والمجازر.
بل إن مسؤولية الداعمين الذين يتابعون مسلسل تقتيل السوريين وتدمير بلدهم بشغف ساديّ منذ خمسة أعوام، عما يجري في سورية، هي بالتأكيد أكبر من مسؤولية الأدوات الإرهابية المنفِذة. لأنه لولا تشجيعهم ودعمهم، لما استطاع إرهابيوهم الاستمرار في إرهابهم، ولما تمكنوا من الصمود في مواجهة الجيش العربي السوري البطل لحظة واحدة.
لقد كان واضحاً من خلال تطور الأحداث في سورية، أن أمريكا وعملاءها الغربيين والإقليميين هم من يقف وراء الإرهاب الذي يضرب دولتها وشعبها. ولم يكن وضع “داعش” و”النصرة” على لائحة الإرهاب الدولية، وصدور قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف دعم الإرهاب وتمويله، وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، لم يكن ذلك، في الحقيقة، سوى نتيجة النفاق السياسي الذي مارسته الولايات المتحدة بأكثر الوسائل انحطاطاً ولا أخلاقية، للتغطية على تورطها وتورط عملائها في خلق ودعم وتمويل الإرهاب لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وإلّا فبماذا يُفسّر سكوتها المُطبق عن عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن وانتهاكها السافر المستمر من قبل تركيا والسعودية وقطر، وبماذا يُفسّر الأداء المسرحي البائس لتحالفها المزعوم ضد “داعش”، وبماذا يُفسّر عملها المنهجي، وعملائها، على تلميع صورة “النصرة” وإضفاء صفات الاعتدال والمشروعية على سلوكها الإرهابي التكفيري؟
على أن الوثائق الأمريكية السرية التي كشفت عنها منظمة “جو ديشيال واتش” مؤخراً قد قدمت الدليل القاطع على أن أمريكا والقوى الغربية لها يد في إنشاء ورعاية “داعش” ومحاولة السيطرة عليه وتوجيهه لما يحقق أهدافها السياسية. وثائق لم تُنشىء حقيقة جديدة، بقدر ما أكدت، بما لم يعد يقبل الشك، ما كانت تدل عليه الأفعال الأمريكية المتناقضة تماماً مع كلام واشنطن المعسول عن محاربة الإرهاب، وعن الحل السياسي للأزمة السورية، مما يعني أن ما تواجهه سورية وغيرها من الدول العربية التي يضربها الإرهاب اليوم، هو حلف دولي إرهابي، لكنه يضع على وجهه قناع معاداة الإرهاب، وهو لا يقوم بتكوين العصابات الإرهابية وتوجيهها ودعمها فقط، بل يعمل على منع وإجهاض الجهود الوطنية لمحاربتها وتخليص الدولة من شرّها كما حدث ويحدث في العراق. ومن هنا ضرورة تجمّع الدول المكتوية بنار الإرهاب التكفيري، والدول التي تقف ضده موقفاً مبدئياً وترفض أي ازدواجية للمعايير بخصوصه، وعموماً كل الدول التي تعي خطورة ما أصبح يشكّله من تهديد وجودي للمنطقة والعالم، لمحاربته ومقاومته أينما كان، وفق استراتيجية سياسية وإعلامية وثقافية وعسكرية تستهدف أول ما تستهدف ذلك الحلف الدولي الإرهابي المقنّع، وإلّا كانت استراتيجية ناقصة، يصعب عليها دحر الوكيل، ما لم تستهدف الأصيل أيضاً.
بقلم: محمد كنايسي