يجهد الناس أنفسهم في تشخيص الواقع.. والمهم تغييره. ليس للتشخيص جدوى إلا إذا كان سبيلاً للتغيير، لكن في كثير من الأحيان يستنفد التشخيص الطاقة ولا يبقى منها شيء للتغيير…
التحليلات والتعليقات في وسائل الإعلام والندوات ما زالت تركز على وصف الحالة وتشخيص المرض. الحديث عن العلاج الناجع يكاد يكون معدوماً، وفي أفضل الحالات خجولاً. اليوم لم يعد هذا الوضع مقبولاً فالتشخيص أصبح مجرد «لزوم ما لا يلزم»، لأن الصورة أضحت واضحة حتى للذين كانوا متشككين قبل عام أو عامين.
غزة، سورية، العراق، اليمن، مصر، تونس، ليبيا… كل شيء بات واضحاً، المنطقة تمر عبر تصفية حساب تاريخي حاولنا جميعاً من الطرفين، إخفاءها وتمويهها منذ أيام «التضامن العربي» في السبعينات.
المشكلة الحقيقية ليست في هذا التشخيص الذي قد يتفق عليه الجميع، هي في تقدير طرق العلاج والتغيير.. وما يصدم فعلاً أن الطرف المعادي للعروبة والتحرر يتصرف على أساس هذا التشخيص، أي أن المواجهة تاريخية، بينما الطرف القومي التحرري الاستقلالي لا يزال في كثير من مواقفه يستخدم سياسات الترقيع ومحاولات «التهدئة».. لعل وعسى.
الطرف المعادي للعروبة لا يخفي في ممارساته اعتقاده بأن تصفية الحساب تاريخية. لذلك يقوم بتعزيز حلفه بجميع عناصره وتناقضاته، من «إسرائيل» وأمريكا وحتى الرجعية العربية والتكفيرية الظلامية وهذا الحلف يستخدم جميع الأسلحة دون حرج، من الأسلحة العسكرية «الفتاكة» والإرهاب إلى أسلحة المقاطعة والتجويع والضغوط، من القتل العشوائي إلى التدمير العشوائي، من الحرب الإعلامية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً إلى استخدام المنظمات الدولية كأداة للعدوان على العرب.. هو ثور هائج يقابله الطرف العروبي بقطعة قماش حمراء لعله يتعب فيهدأ، نحاول إقناعهم بأن الإرهاب أضحى خطراً كبيراً على الجميع وهم يعلمون ذلك لكنهم يعملون على حماية أنفسهم فقط والاستمرار في دعم الوحش كي يمضي في تدمير مدننا يتساءل كثير من الشباب المتألم: إلى متى ستبقى شعوب هذه المنطقة تقابل السيف بأجسادها، والقنابل الفتاكة بدماء أطفالها والسيارات المفخخة بعمران مدنها التاريخية؟…
إلى متى سيبقى أمراء الظلام ينعمون في قصورهم ويتسلون بإحصاء شهدائنا في أعظم حاضرات التاريخ دمشق والقاهرة والقدس وبغداد وبيروت والقيروان وقرطاجة؟.. السؤال التغيري اليوم هو: متى نشعر – مثلهم – أن تصفية الحساب تاريخية.. وأن جوهر المعركة هو تلك المسألة الشكسبيرية الشهيرة: نكون أو لا نكون؟..
صحيفة تشرين