موسكو-سانا
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده مستعدة للتنسيق مع الدول الإسلامية في البحث عن سبل مكافحة الإرهاب وحل النزاعات بالوسائل السلمية وتعتبر تلك الدول شركاء استراتيجيين لها في حوار الثقافات.
وقال بوتين في كلمة وجهها إلى المشاركين في مؤتمر “روسيا والعالم الإسلامي” الذي بدأ اعماله في موسكو اليوم وألقاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن “العالم الإسلامي يعيش اليوم فترة صعبة بسبب الانقسامات والإرهاب والخلافات وهناك دول تقوم بالتهديدات وتوجيه الاعتداءات وهذا يقلقنا جدا ونحن واثقون بأن العالم الإسلامي سيستطيع أن يدافع ويقف أمام هذه التحديات وأن يبحث عن الأسلوب السلمي لتسوية الأزمات”.
بدوره أعرب لافروف في كلمة له عن قلقه من تصعيد التوتر في العالم وبالدرجة الأولى في منطقة الشرق الأوسط حيث يكثف الإرهابيون اعتداءاتهم ويستولون على مساحات شاسعة من الأراضي محذرا من خطورة “اكتساب النزاعات طابعا طائفيا” مشيرا إلى أن الأزمات في سورية وليبيا والعراق واليمن تمثل تحديا كبيرا للأمن والاستقرار وأن الإرهابيين يكثفون اعتداءاتهم على خلفية هذه النزاعات بالذات.
كما أعرب لافروف عن أمله في أن يدعم العالم الإسلامي مبادرة موسكو الخاصة بإجراء تحليل شامل في إطار مجلس الأمن للمخاطر المحدقة بمنطقة الشرق الأوسط موضحا أن هذا التحليل يجب أن يركز بصورة شاملة على القضايا التي تمثل جذورا لتنامي التطرف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون اللجوء إلى الكيل بمكيالين مع النظر في كل القضايا بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي على أساس معايير موحدة.
وقال لافروف إن “روسيا ودول العالم الإسلامي توحدها علاقات كبيرة وواسعة للتعاون مبنية على الاعتراف بالمبادئ والقوانين الدولية لحل المشاكل بين الدول والحرص على البحث عن الأساليب السلمية لتسوية الأزمات”.
بدوره اعرب سماحة الدكتور أحمد بدر الدين حسون المفتي العام للجمهورية في كلمته عن سروره بهذا اللقاء على أرض روسيا الدولة التي تجمع العالم الإنساني بكل أطيافه ولغاته ويعيش الجميع على أرضها بسلام ووئام لكونها لم تتحالف مع أحد لتقصف بلادا أو تقتل بشرا بل جمعت أبناء الدول من حكام ومعارضين لتقيم الصلح بينهم كما أن روسيا تامل منا جميعا مسلمين ومسيحيين اليوم بأن نبني شيئا للسلام أمام ما يحدث اليوم ونحن جالسون هنا ففي فلسطين أطفال وأناس يذبحون من قبل عدو قال أحد وزرائه الصهاينة بالأمس “إنه ليس هناك أمتع من أن نقتل عدونا ولكن الأكثر متعة أن يقتل عدونا عدونا”.
وقال الدكتور حسون “إنهم كانوا يقولون سابقا إن كل إرهابي هو مسلم وأصبحوا يقولون اليوم إن كل مسلم هو إرهابي” مشيرا إلى أن روسيا جمعتنا اليوم لتقول لنا هل باستطاعتنا الصمود أمام هذه الدماء التي تسفك في ليبيا وسيناء والعراق واليمن وسورية.
وتساءل حسون ماذا فعل التحالف الذي جاء إلى ليبيا والتحالف الذي جاء الى العراق وماذا يفعل في سورية أشخاص جاؤوا من بلدان العالم ليقاتلوا في سورية وهل كانت في التاريخ يوما دولة إسلامية وهل أقام المسيح دولة ام هل أقام النبي محمد دولة ام بنى أمة فالأمة تبني الدولة ولذلك هل سجلنا نحن العرب والمسلمون في التاريخ اننا أقمنا دولة إسلامية أو خلافة إسلامية بل أقمنا الخلافة الراشدة والخلافة الأموية والخلافة العباسية والخلافة العثمانية ولم نقل يوما إننا أقمنا دولة دينية.
وأوضح سماحة المفتي أن فكرة “الدولة الإسلامية” يغذيها اليوم سلاح مخيف ومال فضفاض من مؤسسات عالمية مشيرا إلى أن ما حدث في باريس في مجلة تشارلي ايبدو هو عين ما حدث في مدينة القطيف بالسعودية فالأفكار نفسها والمنفذون انفسهم أناس يريدون إقامة دول على مقاسهم الذي أرادوه ونحن اليوم نجتمع هنا ومئات الآلاف من اطفالنا ونسائنا تقتل باسم الاسلام ورجالنا يذبحون ويقتلون باسم الاسلام لذا يجب علينا استثمار هذا اللقاء وكنت أتمنى أن يسمعني الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي والأمين العام لجامعة الدول العربية والامين العام لمنظمة الأمم المتحدة لأقول لهم إنما أوجدناكم من اجل السلام لا من أجل طرد دول واستبقاء دول.. إنما جعلناكم من أجل أن تقبلوا كيف تتصالح الناس فتعالوا لنتصالح أيها السادة وتعالوا لنبني لأبنائنا سلاما.
بدورهم لفت الخطباء في كلماتهم إلى وجوب أن تولي مجموعة الرؤية الاستراتيجية في نشاطها الأهمية والاولوية لتحقيق التقارب بين البلدان الإسلامية وروسيا والعمل المشترك في محاربة التطرف بين صفوف المسلمين ولاسيما في أوساط الشبيبة مؤكدين ان ما يدفع الشباب إلى التطرف هو وجود قضايا غير محلولة ومنها القضية الفلسطينية وحالات الأزمة في سورية والعراق واليمن التي تسببت نتيجة لجرائم الإرهابيين بهجرة أعداد كبيرة من المواطنين من جميع مكونات المجتمع.
وأشاروا إلى أهمية التحالف بين روسيا والصين والعالم الإسلامي ما يمكن له إذا تحقق أن يصبح من أعظم القوى في العالم متعدد الأقطاب ويقف في مواجهة التحديات والأخطار المنطلقة من الغرب ومن التنظيمات الإرهابية المتسترة بقناع الدين والقضاء على البيئة التي تغذي الإرهاب والتطرف.
وفي مقابلة مع مراسل سانا في موسكو أكد روستام مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا والعالم الاسلامي” أن مهمة هذا المؤتمر اليوم هي بالدرجة الاولى الإسهام في حل القضايا الماثلة أمام المسلمين في روسيا والعالم مشيرا إلى علاقات روسيا الواسعة مع العالم الإسلامي والتي تنطوي على آفاق رحبة للتطور.
وقال مينيخانوف “إننا نعمل بموجب هذه الصيغة آملين بان نتمكن من حل تلك الخلافات بين المسلمين”.
وردا على سؤال حول جرائم تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية قال مينيخانوف “إن هذه الجرائم لقيت تقييمها من قبل الكثيرين بما في ذلك البلدان الإسلامية بأن ما يفعلونه هو فعل شر ويجب وضع حد لأعمال هذا التنظيم الإرهابي الذي لن يستمر طويلا ولذلك فان من يدعمونه سرا يرتكبون عملا سيئا”.
وأضاف مينيخانوف “إنني أتمنى للشعب السوري في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه سورية التوحد والسعي من أجل تجاوز هذا الوضع الناشيء فيها اليوم لأن سورية تستحق حياة أفضل”.
بدوره أكد شيخ الإسلام طلعت تاج الدين المفتي العام ورئيس الإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا في مقابلة مماثلة “إن هذا المؤتمر يأتي لإحياء الجهود التي بذلناها سابقا للتقريب والتواصل بين روسيا والعالم الإسلامي” لافتا إلى أن حروبا ومجابهات تجري اليوم في العالم يريد البعض إلباسها لباس الدين والعقيدة ولكن روسيا التي هي جارة للعالم الإسلامي ويعيش فيها عشرون مليون مسلم من المواطنين الأصلاء تتصدى لذلك وتصبو إلى التعاون مع العالم الإسلامي.
وقال طلعت تاج الدين إننا “كمسلمين في روسيا نتصدى لكل من يريد المساس بالامن والسلام في بلادنا والمنطقة والعالم كله ولذلك لا بد من مساندة بعضنا بصورة متبادلة في مواجهة نزعات الإرهاب والتطرف التي يغذيها الغرب ونشر فيها العنف والعدوان كما حدث في العراق وليبيا وما يحدث في سورية ويريدون نقله إلى روسيا أيضا”.
ووجه شيخ الإسلام التحية للشعب السوري في كفاحه من أجل سلامة أراضيه وسيادته وعقيدته موءكدا ادانته لجرائم تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لا مستقبل له.
من جانبه أكد الأب فسيفولود شابلين رئيس قسم العلاقات الدولية في المجمع السينودوسي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن هناك تحديات كثيرة تواجه روسيا والعالم الإسلامي معا ومنها الإرهاب والتطرف والانحراف الأخلاقي والتنظيمات الإرهابية التي تقتل الناس وهذا ما تجري مناقشته في مؤتمرنا اليوم ويساعدنا في إيجاد الحلول لهذه القضايا اخوتنا العلماء على أسس العدالة الاجتماعية والإيمان القويم وأولويات القيم والمثل السامية.
وبشأن جرائم تنظيم “داعش” الإرهابي شدد الأب شابلين على أن هذه الجرائم تشكل تحديا لنا جميعا ولا يمكن تبريرها نهائيا ولذا يجب ان نتوحد جميعا في وجهها وأن نصون شبيبتنا من الوقوع في براثن هذه التنظيمات الإرهابية.
من جهته أوضح يوري زينين كبير الباحثين في جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية أن لهذا المؤتمر أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا لأنه يجمعها ليس مع دولة إسلامية واحدة بل مع مجموعة كبيرة من البلدان الإسلامية مشيرا إلى أن روسيا تمد يدها من أجل التعاون والحوار مع العالم الإسلامي وبالدرجة الأولى ما يتصل بمحاربة الإرهاب الذي يتعارض مع تعاليم الديانات السماوية.
وحول الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا قال زينين إن الناخبين الأتراك قالوا كلمتهم وحرموا حزب العدالة والتنمية من أغلبيته في البرلمان السابق مشيرا إلى أن هذه التغييرات في المجتمع التركي تدل على أن ليس جميع المواطنين الأتراك يوافقون على سياسة الحزب الحاكم الإقليمية والدولية ولذلك نلاحظ اليوم في تركيا مؤشرات على عواقب سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية تجاه سورية التي عانى منها ليس السوريون وحدهم بل المواطنون الأتراك الذين تحملوا وطأة الحرب والمهجرون من سورية ايضا وهذا ما يجعل مواقف المواطنين الأتراك تتغير باتجاه اختيار قيادا ت جديدة قادرة على تغيير مواقف تركيا تجاه جيرانها.
بدوره قال الشيخ البير كراغانوف مفتي موسكو في مقابلة مماثلة إن مؤتمر اليوم يؤكد “موقف روسيا الثابت والمبدئي الداعي إلى التعاون بنزاهة مع العالم الإسلامي في الدفاع عن المثل الأخلاقية العالية والسلام في العالم ومنع التدخل في شؤون الآخرين.
وأوضح الشيخ كراغانوف أن انقساما حادا يجري اليوم في الإيديولوجيات الغربية التي تدعي الديمقراطية ويراد فرضها على الغير عبر التدخل وتسيير أمور الدول الأخرى كما يحلو لها وهذا ما يتعارض مع قيم ومثل المجتمع الإسلامي الذي يطالب قبل أي شيء آخر بالعدالة.
وأعرب عن اعتقاده بأنه لا علاقة لتنظيم “داعش” الإرهابي بالإسلام وقال “إننا كمسلمين في روسيا شاهدنا مثل هذا التطرف الذي خلق المشاكل والمآسي في الشيشان وحرم شعبها من الأمن والاستقرار” مبينا أن جرائم تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية تدل على أن أتباع هذا التنظيم الإرهابي بعيدون كل البعد عن الإسلام ويمارسون نشاطا إجراميا بكل أبعاده وينبغي على المجتمع الدولي وضع حد لهم لإنهاء معاناة الشعب السوري.
شارك في المؤتمر الذي استأنفت فيه مجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا والعالم الإسلامي” عملها بعد انقطاع 6 سنوات العديد من المفتين والشخصيات الدينية من الدول الإسلامية وخبراء على مستوى عالمي.
ومن المتوقع أن تركز المناقشات خلال المؤتمر على سبل مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يوسع دائرة اعتداءاته في سورية والعراق بحسب موقع روسيا اليوم”.
يذكر أن مجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا والعالم الإسلامي” تشكلت عام 2006 بعد حصول روسيا على صفة المراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي وتضم المجموعة شخصيات دينية بارزة بالإضافة إلى عشرات الخبراء الروس والأجانب.
لافروف: ضرورة توحيد الجهود وفق القانون الدولي وفي إطار المؤسسات الأممية لمحاربة الإرهاب
من جهة أخرى أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة توحيد الجهود وفق القانون الدولي وفي اطار المؤسسات الأممية لمواجهة التنظيمات الإرهابية مبينا أنه لا توجد حتى الآن استراتيجية دولية مشتركة لمكافحة الإرهاب.
وأوضح لافروف في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي نقلته قناة روسيا اليوم أنه تم تبادل الآراء حول الأوضاع المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما فيها سورية والعراق واليمن وليبيا مشددا على ضرورة السعي نحو الحوار الوطني “الذي يسمح للقوى السياسية في هذه الدول بالبحث عن الحلول والتوافق الوطني والابتعاد عن التدخلات الخارجية”.
وأكد لافروف أن عدم حل قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية يسهم في انتشار التطرف في المنطقة مشددا على ضرورة “حل مشاكل الفقر والجهل في البلدان النامية للحد من انتشار التطرف والإرهاب”.
ولفت لافروف إلى ازدواجية المعايير عند بعض “الشركاء الغربيين” الذين يحاربون الإرهاب في بعض الأماكن ويتعاونون مع الإرهابيين ويساعدونهم في أماكن أخرى.
من جهة أخرى أكد لافروف أن روسيا تدعم العراق كدولة موحدة بجميع مكوناتها وخالية من الإرهاب وأي تهديد آخر داعيا إلى تفعيل الحوار الوطني في العراق ومساعدته في محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
وحول نشر الاستخبارات الاسترالية معلومات عن احتمال امتلاك تنظيم داعش الإرهابي مواد نووية قد تمكنه من امتلاك قنبلة قذرة قال لافروف إنه “في حال الحصول على هكذا معلومات يجب التعاون للتأكد من صحتها واتخاذ الإجراءات المطلوبة بين الدول للتعامل مع هذا التهديد”.
وأوضح لافروف أنه لا يوجد حاليا تعاون مشترك بين روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية بهذا الخصوص بعد أن “جمدوا مثل هذه الاتصالات” مؤكدا أن روسيا ستواصل العمل الجماعي والتحضير لاستراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال تقديم الاقتراحات في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
وأشار لافروف إلى أن موضوع الإرهابيين الأجانب الذين ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يثير قلق روسيا موضحا أن بلاده قامت في العام الماضي و بمساندة من مجلس الأمن باستصدار قرار خاص لمكافحة هذه الظاهرة.
وكان بدأ في العاصمة الروسية اليوم مؤتمر “روسيا والعالم الإسلامي” بمشاركة سماحة المفتى العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون والعديد من المفتين والشخصيات الدينية من الدول والشخصيات الدينية من الدول الإسلامية وخبراء على مستوى عالمي.
وفى بداية المؤتمر الذى استأنفت فيه مجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا والعالم الإسلامي” عملها بعد انقطاع لـ 6 سنوات أكدت وسكو”استعدادها للتنسيق مع الدول الإسلامية فى مكافحة الإرهاب وتسوية النزاعات عبر العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط”.