حماة-سانا
نحو أربعين شاعرا شاركوا في المهرجان الشعري الرابع والعشرين الذي أقيم في مدينة سلمية على الكتف الشرقي لمحافظة حماة ما بين الخامس والعشرين والثلاثين من شهر نيسان في مقدمتهم الأديب والشاعر حسين الحموي من المؤسسين الأوائل للمهرجان الذي انطلق عام 1988 واستمر حتى بداية الأزمة حيث توقف أربع سنوات ثم أعيد إلى الضو.
ويعد الحموي همزة الوصل بين جيل من الأدباء والشعراء تألق في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبين جيل راهن بدأ يتغربل الآن لكنه يحمل تباشير وأعدة بأسماء جديدة تتصدر المشهد الشعري السوري.
مدينة سلمية التي ينتمي إليها الشاعر ربما غفت قليلا بسبب الأزمة التي تجتاح الوطن لكنها استفاقت لتعيد للمشهد الشعري والابداعي حضوره وألقه وتقول بصوت واضح نحن هنا ولدينا الكثير مما نقوله رغم كل الأحزان والآلام.
وعلى هامش المهرجان التقت سانا الثقافية مع الشاعر الحموي كقامة أدبية متوهجة شعرا وكياسة وأناقة فقال إن “المهرجان الشعري في سلمية يلامس هموم الوطن وقضاياه الاجتماعية والوطنية وهو بحد ذاته اختراق لحالة الحزن وأمل في مستقبل أفضل ومتجدد”.
وأردف موضحا أن سلمية تشهد نشاطا ثقافيا مهما اشتدت رمضاء الأحزان من حولها وهي تعنى بالثقافة والفكر والشعر لأن ذلك من خصائصها وعلاماتها الفارقة التي تجد في الثقافة على اختلاف المشارب وتعدد الأفكار والمدارس الشعرية هويتها وعنوانها ومكانها الطبيعي على الخارطة الجغرافية للشعر والفكر والثقافة.
وقال “إن إقامة هذا المهرجان والاصرار على إحيائه بعد أربع سنوات بفعل عوامل المحنة التي المت بسورية الحبيبة ما هي إلا تأكيد على هذا الانتماء والهوية الثقافية التي تحمل عنوان ثقافة التجديد والحداثة والتأصيل لقيم الشهادة والمحبة والخير والجمال بمعنى آخر ثقافة المقاومة التي تقف سدا منيعا وسورا عاليا في مواجهة ثقافة الكراهية والنحر الداعشية التي لن تجد في سورية تربة خصبة لها لأنها ثقافة همجية غريبة ليست من طبائع السوريين وثقافتهم الحداثوية المتجددة التي تمتد إلى عشرة آلاف سنة”.
وأضاف الحموي “إن الإصرار على إحياء هذا المهرجان وإقامته في شهر نيسان الذي يجمع بين أيامه أكثر من مناسبة وطنية وقومية هو انتصار لثقافة المقاومة وكسر لحاجز الخوف والحزن اللذين تريد الثقافة الداعشية الإرهابية غرسهما في نفوس الناس”.
وحول مستوى الشعر الذي القي في المهرجان أوضح أنه متفاوت إلى حد كبير أذ استمعنا إلى قصائد تدلل على شاعرية وقامات توازي بابداعها العديد من القامات الشعرية المعروفة على مستوى سورية وفي المقابل استمعنا الى نصوص وهي عبارة عن خواطر مغرقة في الذاتية ولكن في الأغلب الأعم كانت القصائد ومعظم الشعراء المشاركين في حدود الشكل والمضمون ومعظم ما قدم يكشف عن تأثر بالغ بعنوان المهرجان شهداؤنا لن ننساهم .
وأعرب عن أمله بأن يتم في مثل هذه المهرجانات السنوية اختيار الشعراء بعناية فائقة وفي اطار تقويم موضوعي وفق معايير ومفهومات ومعطيات فنية وليس معايير شخصية عاطفية وهذا لا يعني استبعاد أي مبدع أو موهبة غضة بل إفساح المجال لها في أمسية شعرية وليس في مهرجان سنوي ينبغي أن تشارك فيه الصفوة والتجارب التي أكدت حضورها فى الساحة الشعرية.
وأوضح الحموي أنه في جميع الأحوال النصوص التي قدمت عكست كل الآلام والأحزان والرؤى والآمال التي تشغل وتنغص حياة الإنسان في بلادنا هذه الأيام وكذلك الارهاصات التي تحمل بشائر الانفراج والخلاص من هذه المحنة التي ألمت بسورية وشعبها لافتا إلى أن الشعر الوطني والقومي والذاتي بات متداخلا في النص الواحد في القصيدة الغنائية العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وهذه الأخيرة كانت حاضرة بقوة في المهرجان واستطاعت أن تشكل فضاءها الثري الممتع والمستساغ وربما المفهوم من قبل الجمهور مع أن قصيدة النثر عادة تقرأ ولا تسمع.
وعن قصيدته التي ألقاها في المهرجان والتي حملت عنوان زرقاء اليمامة والمغني بين الشاعر أنها قصيدة حوارية درامية تصور مرحلة وتحمل اسقاطات تاريخية تقارب ما يجري في زماننا من فقء لعيون زرقاء اليمامة ودور كل شاعر في الدفاع عن الحقيقة وعن رسالة الحرف والكلمة في وعي الشعوب وبناء الحضارات مشيرا إلى أنه يترك الحكم عليها للجمهور والنقاد بعد طباعتها مستقبلا.
وحول عوامل وأسباب نجاح المهرجان أشار إلى العمل بروح الفريق الواحد كلجان ثقافية معنية بالنصوص والشعراء ولجان تنظيمية معنية بالوسائل والأدوات الفنية وإدارة متعاونة ومنسجمة تنسق وتنفذ ما تقره تلك اللجان معربا عن أمله بأن يكون المهرجان الخامس والعشرون أكثر أشراقا وتألقا.
وعن النقاط المضيئة في هذا المهرجان أشار إلى تكريم عدد من الأدباء والشعراء الأحياء من أبناء البلدة الذين كانت لهم اياد ناصعة في الحركة الثقافية إضافة إلى احترام الوقت ورعاية وزارة الثقافة لهذا المهرجان وادخال الجانب الفني الغنائي والموسيقي كفواصل استراحة واستكمال لغنائية الشعر خلال الأمسيات وبعضها كان أغنيات وطنية وقومية من تلحين وأداء أبناء البلدة.
وأضاف إن المشاركة الواسعة لعدد غير قليل من الشعراء في سلمية والقادمين ضيوفا من المحافظات أضافت إلى المهرجان تنوعا في المدارس الشعرية وزخما في تعدد الأصوات وربما حملت هذه النقطة الإيجابية المضيئة جانبا سلبيا في الوجه المقابل عندما كان يزيد الشعراء على سبعة أو ثمانية في اليوم الواحد فقد كان الوقت المتاح للشاعر المشارك لا يتجاوز الدقائق العشر وهذه السلبية نرجو تلافيها بالمهرجانات القادمة.
وقال الحموي إننا أمام مرحلة مهمة وحاسمة في حياة أمتنا وشعبنا ولا شك أن الثقافة والمثقفين والمبدعين يتحملون عبئا كبيرا ومسؤولية وطنية وقومية للارتقاء بالمشهد الثقافي إلى مستوى الأحداث الجسام وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر في كل الأسباب التي أدت إلى تراجع الثقافة والابداع لعلنا نصل إلى قواسم مشتركة تتبلور فيها ملامح مغايرة لكثير مما ألفناه سابقا ويكون التجديد والحداثة الحقيقية في النص الشعري وفي الحركة النقدية التي يجب أن توازي كل عمل إبداعي.
وللشاعر والأديب الحموي 24 مؤلفا ثمانية منها في مجال الشعر وأربعة في المسرح واثنا عشر في مجالات البحوث والنقد وعمل في الصحافة والثقافة لمدة تقرب من ثلاثين عاما وتسلم مناصب مختلفة منها عضو مكتب تنفيذي باتحاد الكتاب العرب ومدير تحرير جريدة البعث ورئيس تحرير لمجلتي المعرفة والأسبوع الأدبي ومثل سورية في العديد من المحافل العربية والدولية.
أيمن ياغي