تمثال أثري سوري نادر مصنوع من سن فرس النيل

دمشق-سانا

تشهد اللقى الأثرية السورية المنحوتة من مادة العاج على براعة ومهارة النحات السوري ومكانة الفن التشكيلي السوري العريق وتميزه عالميا منذ فجر التاريخ بوضوح معالم الشيء المراد نحته والاهتمام بادق التفاصيل الفنية الوصفية.

ويشهد على ذلك كما يقول المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف تمثال رجل صنع من سن فرس النيل يبلغ ارتفاعه 4ر7 سم ويصور النحت رجل بوضعية الصلاة يحمل في يده أضحية عبارة عن غزال صغير ويمثل موضوع النحت واحدا من الأشكال النادرة جدا في المنحوتات ولقد برع النحات في نحت الرأس وإبراز ملامح الوجه بدقة عالية وقد شكلت الاكتاف العريضة بحركة انسيابية وبدت الافخاذ والارجل مضمومة في تكامل جمالي رائع وانيق يدل على مهارة عالية ونظرة فنية حاذقة وقد مثل الجسم بوحدة عضوية من الصدر إلى الساقين والقدمين.

وأضاف السيد إن التمثال اكتشف في مملكة ابلا حاليا موقع تل مرديخ الأثري في محافظة إدلب ويؤرخ بالقرن السابع عشر ق.م وهو من مقتنيات المتحف الوطني بادلب ولفت المؤرخ إلى أن العاج يصنف كأفضل الخامات للنحت لأنه صلب ومتوازن بطبيعة تشكيله وأن عاج فرس النيل المستخدم في نحت التمثال المكتشف في مملكة ابلا ينسب على الارجح إلى السلالة البرمائية المنقرضة والتي عاشت سابقا في مناطق وادي النيل ومصر وقد فضل النحات استخدام ناب فرس النيل العاجي على عاج الفيل لأن عاج فرس النهر يمتاز بانه لا يغير اللون الأصفر مع تقدم الزمن.

وأوضح السيد أن فرس النهر ينحدر من فصيلة البرنيقيات وبقي منه اليوم نوعان فرس النهر المالوف او النيلي وفرس النهر القزم علما ان اقدم مستحاثات لفرس نهر في العالم تعود لفرس نهر كيني يقدر عمرها بنحو16 مليون سنة وهو اول فرس نهر عاش في القارة الافريقية وفق المعطيات الأثرية الحالية.

وقال السيد إن لفرس النهر أسنانا أمامية طويلة ومقوسة وأنيابا تشبه أنياب الفيل وأضراسا أطول من أسنانه الأمامية وهي دائمة النمو لكنها تتآكل باحتكاك أسنانه العليا بأسنانه السفلى ويمكن ان يصل طول الناب الواحد إلى نحو ستين سنتمترا علما أن نصفه يبقى موجودا ضمن اللثة مشيرا إلى أن مادة العاج تؤخذ كذلك من الفيلة ويمتاز عاج الفيل الهندي ببياض أنصع من عاج الفيل الأفريقي وبقابلية أفضل لأعمال النقش الدقيقة ذات الحرفية العالية.

وتؤخذ مادة العاج ايضا من اسنان حوت العنبر وهي سبعة اسنان لونها اصفر وتمتاز بعروق طولية بلون اغمق وليست كثيفة زد على ذلك عاج حوت الناروال النادر جدا والذي يعيش فقط في المحيط المتجمد الشمالي وهو عبارة عن ناب حلزوني طويل يصل إلى ثلاثة أمتار ويمتد من فكه العلوي أو قرن عاجي مبروم في مقدمة راس حوت الناروال ومفرغ من منتصفه مبروم ويمتاز عاج حوت الناروال بلونه ما بين الرملي الفاتح والحليبي وبصلابته وقابليته للنحت والتشكيل وهناك ايضا عاج الحوت القاتل الاوركا الذي يعيش في المحيط الهندي والهادئ والأطلسي والقطبين الجنوبي والشمالي وعاج الفقمة المبقع باللون الأبيض والحليبي.

وقال السيد: إن مادة العاج كانت تؤخذ قديما من حيوان الماموث المنقرض نظرا لضخامة انيابه العاجية وكثرة العروق فيها فضلا عن لونها الابيض الحليبي لكن يبقى عاج فرس النيل الاكثر صلابة من بين كل انواع العاجيات.

وخلص السيد إلى أن اكتشاف هذا التمثال يدل على براعة النحات السوري وإدراكه لقيمة وأهمية وخصائص العاج في نحت التماثيل وصقلها وأهمية المنحوتات السورية وقيمتها الكبيرة في مجال الفنون التطبيقية والتشكيلية العالمية.

عماد الدغلي