ثمة مايبدو، للوهلة الأولى، تناقضاً في السياسة الأمريكية، فهي، من جهة، مصممة على التوصل الى اتفاق نووي مع إيران، يؤكد ذلك ردّ إدارة أوباما على جملة الاعتراضات التي ساقها نتنياهو أمام الكونغرس، بالقول: إن الاتفاقية التي يجري التفاوض عليها هي الأهم والأفضل، مما يجسّد رغبتها الحقيقية في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران. لكنها، من جهة أخرى، تستمر في مواقفها العدائية من حلفاء طهران في محور المقاومة، ولاسيما سورية، التي بات واضحاً أن تسليح «المعارضة المعتدلة» بزعم محاربة داعش، ليس سوى الحلقة الجديدة في مسلسل الاستهداف الأمريكي لدولتها الوطنية.
لكن هذا التناقض ليس عصياً على التفسير بالنظر الى ثلاثة اعتبارات على الأقل، أولها أن الصراع الدائر في المنطقة أوسع وأعقد من أن يُختصر في ملف إيران النووي. وبالتالي فإن الاعتقاد بأن حل هذا الملف سيؤدي آلياً الى حل أزمات المنطقة، ولاسيما الأزمة السورية، هو اعتقاد بعيد عن الصواب. وثانيها أن عملية التفاوض الجارية الآن هي معركة بأتم معنى الكلمة، ولا يُتصور أن تتغير، أثناءها، المواقف الأمريكية من الملفات السياسية ذات العلاقة بإيران في المنطقة، بل أن تتصلب هذه المواقف أكثر، من باب الضغط على الخصم الإيراني للحصول على نقاط إضافية في معركة التفاوض. وثالثها أن الولايات المتحدة لم تسلك طريق المفاوضات مع إيران إلاّ بعد أن فرضت هذه الأخيرة نفسها بإمكانياتها الذاتية، وأصبحت قوة إقليمية ودولية لا مفر من الاعتراف بها وبدورها. وهذا ليس شأن العرب المنقسمين والضعفاء، الذين يدور معظم حكامهم في الفلك الأمريكي، مما يفسر الغياب الدراماتيكي لمشروعهم ودورهم عن الإقليم، ويشجع أمريكا وحلفاءها على المضي قدماً في تنفيذ مشروع تدمير دولهم، ونهب ثرواتهم، ومحاولة القضاء على قوى المقاومة والنهوض القومي بينهم.
ومعنى هذا أن تَغيّر السياسة الأمريكية في المنطقة لن يتم، إذا تم، إلاّ بعد إبرام الاتفاق النهائي مع إيران وليس قبل ذلك، وأن هذا الأخير سينعكس إيجابياً على الوضع في المنطقة، ويسهل عملية الوصول الى حل أزماتها. لكنه لن يضع نهاية لمشروع تدمير الوطن العربي، هذا المشروع القديم – الجديد الذي يشهد الآن أكثر محاولات تنفيذه إجراماً ودموية. وقد بدأت الدول المعادية للاتفاق، ولاسيما الكيان الصهيوني والسعودية وتركيا، وهي ذاتها الدول الأكثر عداءً لسورية، والأكثر تصميماً على إسقاط دولتها الوطنية في المنطقة، بالاستعداد لجولة جديدة من العمل التآمري المشترك على استكمال تنفيذ ذلك المشروع، ولاسيما في سورية.
لقد أصبح إبرام الاتفاق النووي، كما تؤكد آخر الأخبار ذات الصلة، مسألة وقت. ولا شك أنه سينطوي على فائدة كبرى لمحور المقاومة، ويعزز موقع سورية السياسي في مواجهة أعدائها. لكن معركتها مع الإرهاب التكفيري الذي تقف وراءه الامبريالية والصهيونية والعثمانية الجديدة والرجعية العربية، مستمرة، وليس لها من خيار سوى خيار الانتصار فيها بقوة تلاحم شعبها وجيشها وقيادتها.
بقلم: محمد كنايسي