الشريط الإخباري

الكونغرس يهزم أميركا..!!-صحيفة الثورة

لم يسبق أن شهد التاريخ – قديمه وحديثه- فصلاً مشابهاً لما حدث من تجاذب أميركي، حين جاء خطاب نتنياهو داخل الكونغرس، مفعماً بلغة التحدي، ليس فقط للإدارة الأميركية وما تمثله في المعيار الاعتباري والسياسي، بل للنظام السياسي الأميركي برمته.

والقضية -هنا- تتجاوز حدود تسجيل النقاط المعمول بها في القراءات السياسية الدارجة، من منظور المجادلة في الدلالات المادية واللفظية على كثرتها، و تستدرج أسئلة تتعلق بأبعاد ومفهوم النظام الأميركي ، تحديداً من بوابة الدولة العظمى التي تفردت في قيادة العالم على مدى عقدين ونيف من الزمن، فكيف تتحوّل مجالسها إلى حلبات للمصارعة بين الأجنحة السياسية، ومسرحاً لتصفية الحسابات بين الخصوم الحزبيين ، وتُعتمَد فيها عوامل خارجية بحتة للمرة الأولى في تاريخها ؟!.‏

الأخطر ما تروجه الدوائر الإسرائيلية، التي راحت تتحدث بلغة الانتصار والتشفي، وبعضها بدت أبعد من ذلك حين لم تتردد في القول بأن نتنياهو لم يكتفِ بليِّ ذراع الرئيس أوباما وأركان إدارته، بقدر ما لوى عنق النظام الأميركي، وطرح بجدية تساؤلات حول مستقبل العلاقة مع النظام الأميركي، وإلى أي حد يمكن التعويل عليه فعلياً في حماية إسرائيل، والاستمرار بسياسة الضمانات المفتوحة التي تعهدت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة.‏

وسط هذه الحالة من التبلور في الاتجاه الإسرائيلي كان الطرح الإعلامي الأميركي أكثر حدّة، بما فيه المحسوب تقليدياً على لوبيات الضغط الصهيوني، حين طرح اسئلة من النوع المفصلي على الإدارة الأميركية والكونغرس في الوقت عينه، أخطرها كان عن مصير حالة التعايش على خلفية صراعٍ محتدمٍ كهذا؟ ومستقبل الملفات الخلافية التي أججت الصراع قبل أن تصل إلى عتبة الكونغرس؟ في وقت لا تخفي فيه تلك الأوساط مخاوفها من الهوة العميقة التي خلقها خطاب نتنياهو.‏

على المقلب الآخر، كانت المواجهة تخلق سيلاً متدفقاً من التحليلات، التي تساءلت بدورها عن موقع الدولة العظمى الذي يسمح لرئيس وزراء كيان – اعتاش ولا يزال- على حماية أميركية مطلقة، ليقف محاججاً داخل الكونغرس، وبهذه اللغة من الغطرسة، والسؤال الأكثر مرارة كان عن أعضاء الكونغرس ومن يمثلون بعد أن اصطفوا للتصفيق دون توقف، حيث الغصة الأميركية لم تعد حكراً على ما ظهر من خلافات، وما طفا من صراعات واضحة، بل في التفاصيل الإضافية التي تحملها، وتسارع المواجهة إلى حدود المجابهة المفتوحة بين البيت الأبيض والكونغرس.‏

في التفاصيل المرافقة، تعود الأسئلة التي أثيرت حول العلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس إلى الواجهة، وأن دخول الرئيس وإدارته مرحلة البطة العرجاء كان يحمل في طياته جزءاً من الحقيقة القاسية، التي أدركت الإدارة الأميركية مبكراً أنها ستعاني من تداعياتها، لكن ربما لم تكن تحسب أن تكون عبر الإسرائيلي، وتحديداً نتنياهو ، حيث الحسابات الداخلية كانت تستبعد من أجنداتها أي لجوء إلى الخارج للاستقواء البيني، وهو ما يثير عاصفة من التحليلات المتداخلة حول ملامح المرحلة الأميركية القادمة، وهوية الأشهر الفاصلة على موعد الانتخابات.‏

المحسوم في سياق القراءات أن البيت الأبيض لن يرفع راية الطاعة، وأن التلويح بعصا الاستقواء على الكونغرس عبر الفيتو الرئاسي، قد نشاهده مراراً وتكراراً في قضايا داخلية وخارجية، لكن هذا لا يعني أن سياسة البيت الأبيض ستقوم بتقويم حالات الاعوجاج في أدائها، بقدر ما هي عرضة لنزالات في السياسة الخارجية -مشابهة لما جرى في الكونغرس- قد تدفع العالم نحو فوهات براكين من المجابهة على امتداد الساحة الدولية، عبر استعراض خطير للعضلات، برزت أجزاء منه في تلميحات وأحاديث مقتضبة حيناً، ومسهبة أحياناً، لمسؤولين عسكريين أميركيين.‏

الكونغرس يهزم أميركا بالتحالف والتعاون مع إسرائيل حقيقة مرة يتذوق طعمها الأميركيون!! حيث أميركا – البيت الأبيض والإدارة الأميركية والخارجية والبنتاغون – تعترف بخسارة المعركة وهي تبحث عن انتصارات ولو كانت ورقية أو وهمية وافتراضية، فمن يهزم داخل بيته، لا يتردد في البحث عن التعويض خارجه، ولو كان شكلياً أو سبباً لكوارث إضافية، وعلى العالم أن يتحضر لفصوله الدامية وبعناوين صِدَامية..!!.‏

بقلم: علي قاسم