خرجت حسابات الظل، في الحرب على سورية، من كواليس أروقة السياسة في “بلدان الدسائس” إلى دوائر الضوء ومساحات الإعلان الصريح وبالخط العريض، لتتكشف تفاصيل الخلطة المغلّفة بـ”امبلاج” سياسي، وتظهر ملامح أهداف لم يجرِ الحديث عنها طيلة سنواتٍ أربع من ضخّ إرساليات الموت إلى سورية.
فثمة مآرب أزلية للشركاء في صناعة الخراب المنظّم، تتموضع مفاتيحها هنا في حنايا الأزمة السورية ومآزق المنطقة عموماً، وقد يكون في يوميات الحرب مناسبة لن تتكرر لتمرير محاولات دغدغة سلسلة طموحات طويلة، من العسير أن تتحقق في ظروف الاستقرار المثالية.
وفق هكذا استنتاجات لا يبدو مستبعداً أن يلجأ “الاحتلال الصهيوني” إلى أذرعه من الجماعات الإرهابية الناشطة في سورية، لفعل ما لم يقوَ على فعله بعد، كتدمير المسجد الأقصى، أو إزالة قبة الصخرة، وطمس المعالم الراسخة لفلسطين ما قبل الاحتلال، وبذات الذرائع التي تلجأ إليها هذه الجماعات لمحو الآثار الحضارية والإنسانية للشعوب، وربما يجري البحث الآن عن سيناريو مُقنع لدخول “داعش” أو “جبهة النصرة” إلى القدس، وهذا ما لم ينضج لاعتبارات تتعلق بصورة “إسرائيل” والسيادة المفترضة، إن تمّ إخراج مشهد الدخول عنوةً، أو بفضح العلاقة القذرة التي تربط الكيان بهذه الجماعات، لو تمّ الاقتحام بالتوافق.
الواقع أن ما يتأكد من سياق متوالية الأحداث وبقرائن وحجج دامغة، أن لدى الكيان الصهيوني أجندة أزلية من الأهداف المجمّدة في قائمة الانتظار، تختلط في منطلقاتها ما بين التلمودي والاقتصادي والسياسي، بما في الجانب الأخير من بعد استراتيجي عسكري، وجدت هذه الأيام حاملاً طيّعاً لإنفاذها، ومن هنا قد يكون علينا الكف عن إطلاق عبارات الاستغراب والدهشة ونحن نتساءل عن مغزى تحطيم “الدواعش” لتماثيل متحف الموصل، لأن في حقيقة الدوافع ما يعود إلى استحقاقات ثأرية عمرها 3000 عام بين عقائد التلمود وجذوة التشفي من قرائن الحضارة البابلية، وكان خيار الانتقام بالأمس على يد شُذّاذ آفاق، بات من الواضح جهوزيتهم لفعل المستحيلات أمام إغواء المال.. كما علينا قطع الشك باليقين والإقلاع عن الظنون الذاهبة والراجعة بحقيقة هوية هذا التنظيم المرتزق المتلوّن بألوان داعميه، والذي تبدو “البصمة الإسرائيلية” علامة فارقة في أفعاله.
وقد لا تضيع منّا خيوط تعقب الهدف الصهيوني، لو ولجنا من البوابة العقائدية إلى المضمار الاقتصادي، إذ تؤكد التقارير والوقائع أن “إسرائيل” و منذ بدء إشعالها لفتيل الإرهاب الموجّه نحونا، تسعى باتجاه نقل امتيازات الموقع الاستراتيجي لسورية–وهو ميزة نسبية وأحياناً مطلقة وفق التصنيف الاقتصادي– إلى المرافق والواجهات البحرية التي تستولي عليها في الأرض المحتلّة، وسجلت خطوات واضحة على هكذا خط، والشاهد انتعاش حركة التجارة في ميناء حيفا، ولذلك تعوّل على إطالة زمن الأزمة في سورية بما يخدم طموحات “سرقة الميزات”، فعامل الزمن مهم هنا من أجل ترسيخ تقاليد التواصل التجاري عبر مرافقها البديلة للمرافق السورية!.
وفيما يشبه استنساخ الأهداف والتجربة، يمكن التقاط إسقاطات الأجندة “الإسرائيلية” على منظومة الأهداف المعدّة في “مطابخ أردوغان وحزب العدالة والتنمية”، وبذات المنشأ والأبعاد، من العقائدي الرجعي المرتسم على هيئة مشروع بأسس بائدة تحت عنوان “دولة الخلافة العثمانية”.. إلى الاقتصادي القائم على القرصنة ونهب المقدرات السورية، واستثمار ميزات الموقع الجغرافي وتجييرها لخدمة اقتصاد يرزح حالياً تحت وطأة ثقل عالٍ من فساد أردوغان وعائلته وحاشيته الحزبية والمصلحية.
تماهٍ إلى حدّ التطابق بين نهج أردوغان وقادة “إسرائيل” في التعاطي مع سورية وباقي دول الجوار، فإن كان هيكل سليمان “مسمار جحا” القابع تحت المسجد الأقصى، بدا ضريح سليمان شاه “مسمار أردوغان” في عمق الأراضي السورية..
إننا أمام “أخطر أشكال الخطر” القائم على أسس عقائدية مدمّرة وقناعات كارثية.. حرب المصير التي لا تعترف بالحلول الوسط، فليراجع حساباته كل من يتوهّم وجهات نظر مستعارة من أدب الأطفال أو حكايات ما قبل النوم.
بقلم: ناظم عيد