رغم أنف الإيديولوجيا، لا يعرف عالم السياسة الحدود الواضحة بين الأبيض والأسود، ولا يعرف ما هو إيجابي بالمطلق وما هو سلبي بالمطلق، فغالباً ما يواجه القرار السياسي إشكاليات تجعله يرى الإيجابي والسلبي في الظاهرة نفسها.. فيقامر لعل حصيلة الإيجاب تزيد – ولو قليلاً – عن حصيلة السلب، إشكاليات الأسرة الأطلسية تؤكد هذه الظاهرة.
الإشكالية الأولى: كيف تستفيد حكومات الأسرة الأطلسية وأتباعها من الخدمات التي يقدمها لها الإرهاب باعتباره أداة فعالة لتحقيق «الفوضى الخلاقة»، وفي الوقت نفسه تخفيف سلبياتها العائدة عليه عبر ظاهرة التأثير الراجع «back effect feed»؟.. الحل وجدته في «نظرية الاحتواء وإعادة التوجيه» التي يتبعها «التحالف» مع الإرهاب، لكن هل تنجح هذه النظرية أم أن العوامل الخارجة عن إطارها، كالتصدي السوري للإرهاب، سوف تكون له الكلمة النهائية؟.. هذه هي المعركة الحقيقية اليوم.
الإشكالية الثانية: كيف تستفيد الأسرة الأطلسية من إيجابيات التفاهم مع إيران وفي الوقت نفسه إنقاص السلبيات، بمعنى منع إيران من توسيع نفوذها المقاوم والمعادي للصهيونية في المنطقة؟ الحل يراه هؤلاء أيضاً في محاولة «الاحتواء وإعادة التوجيه»، بمعنى ابتزاز طهران كي تشارك –بشكل أو بآخر- في إتمام الطوق الجيوسياسي المحكم حول روسيا والممتد من فنلدنا في الشمال وحتى الباكستان في الشرق، وكذلك إضعاف الدعم الإيراني للنشاط المقاوم للكيان الصهيوني، لذلك يعمل الأطلسيون على «الحزمة الشاملة» مع إيران بمعنى التفاوض حول الغاز الإيراني لأوروبا بديلاً من الغاز الروسي، وكذلك «الصفقة» معها حول سورية والمقاومة، لكن من الواضح أن التعامل مع إيران بهذه الطريقة لا يمكن أن ينجح لأن العلاقة بين طهران من جهة وكل من روسيا وسورية والمقاومة من جهة أخرى علاقة إستراتيجية لا مقايضة عليها..
الإشكالية الثالثة: كيف يستطيع الأطلسيون الاستفادة من بلد لديه أكبر مساحة في العالم واسمه روسيا، ولديه طاقات وأسواق واسعة، وفي الوقت نفسه إبقاء موسكو مجرد عنصر هامشي في تنظيم العلاقات الدولية؟ هذه الإشكالية يحاول الأطلسيون حلها عبر «فوضى أوكرانيا الخلاقة» من جهة، وعبر تطويق روسيا بالدول التابعة لـ«ناتو» من جهة أخرى، بغية إضعاف روسيا وجلبها إلى «المذبح الدولي» مجرد بقرة حلوب لا رأي لها، لا شك في أن ما يسعى إليه الأطلسي يبدو هنا الشيء الأكثر استحالة..
إنها الإشكاليات الأطلسية التي تصطدم حلولها بحائط صلب من المنطق والواقع وإرادة الشعوب..
صحيفة تشرين