لا يزال الحضور الإسرائيلي الطاغي في تفاعلات أحداث الهجمات التي استهدفت فرنسا الأسبوع الماضي يلفت انتباه السواد الأعظم من المتابعين، سواء من خلال التصريحات المستفزة والنارية المتوالية التي يطلقها قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة التشويش والتشويه والتحريض مباشرة أثناء وبعيد الهجمات ومقتل المنفذين ضد ما اصطلحوا عليه أو بالأحرى ما اصطلحت عليه الصهيونية العالمية وهو “الإسلام الراديكالي أو المتشدد والمتطرف”، ومحاولة تأليب الرأي العام العالمي بمن فيه الشعب الفرنسي ضد المسلمين، أو من خلال فرض قادة الاحتلال الإسرائيلي مشاركتهم في الإدانة والمسيرة المليونية التي نظمتها باريس تنديدًا بالإرهاب وتضامنًا مع فرنسا.
إن هذا الحضور الإسرائيلي ومحاولة استغلال الحدث لتسويق الشخصية الإسرائيلية على أنها الشخصية المسالمة المهادنة، وتصوير أن اليهود في العالم لا يزالون هم المضطهدين والمستهدفين من قبل “الإسلام المتشدد”، كل هذا لا يمكن تفسيره إلا بأنه بمثابة حصاد مبكر للهجمات، الأمر الذي ينقل إلى مستوى اليقين الشكوك حول ملابسات الهجمات والمدبرين والمنفذين والأسلوب العالي الدقة في التنفيذ، والسرعة في إخفاء الأدلة. ولعل ما يؤكد هذا الحصاد المبكر من وراء الهجمات تصريح رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أمس خلال مراسم تشييع اليهود الأربعة الذين قتلوا الجمعة الماضية في باريس خلال هجوم على متجر يهودي “لا يمكننا السماح في العام 2015 وبعد 70 عامًا على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أن يخاف اليهود من السير في الشارع في أوروبا وهم يضعون القلنسوة”، مطالبًا الجالية اليهودية بالهجرة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، في حين حاول المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال توظيف الهجمات والاستفادة من وجوده في باريس لرفع أسهمه الانتخابية، طارحًا نفسه الضامن لأمن الإسرائيليين قبيل بدء حملة الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في الـ17 من مارس.
الثابت أن الإرهاب لا دين ولا هوية له، ولا يميز بين مسلم ويهودي ومسيحي، فكما أن الإرهابي الإسرائيلي حين يقدم على ارتكاب جريمته لا يميز بين مسلم ومسيحي، كذلك الحال بالنسبة للإرهابي المتستر بلباس المسيحية لا يميز بين يهودي ومسلم، والإرهابي المتدثر بلحاف الإسلام لا يميز هو الآخر بين يهودي ومسيحي.
وفي التاريخ الحديث ليس هناك إرهاب أعتى من الإرهاب الإسرائيلي الذي لا يزال يواصل حصد ضحاياه من الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة بأسرها، ففي فلسطين وحدها حدث ولا حرج عن أشكال الظلم والقهر والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني كل يوم والإذلال الذي يعانيه من سلوكيات محتل متعجرف ومستعمر جاء من الخارج وفي ذهنه رغبة في القضاء على أصحاب الأرض الأصليين حتى يتمكن من اغتصابها. ولا تزال المجازر التي ارتكبتها المنظمات الصهيونية الإجرامية حاضرة في الذاكرة الجمعية وموثقة في سجلات التاريخ والتي لن تنسى المنظمتين الإجراميتين الإرهابيتين “أرجون وشتيرن” وارتكابهما مجزرة دير ياسين التي راح ضحيتها عدد كبير من أهالي القرية حيث ارتقى ما بين 250 و360 شهيدًا وذلك إثر جريمة قامت بها تلك العصابتان وبمؤازرة من عصابة الهاجاناه في القدس لإبادة أهل القرية دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة. كما لن تنسى الذاكرة الجمعية تلك الجريمة البشعة بحق المناضلة الأميركية المسيحية ريتشيل كوري العضوة في حركة التضامن العالمية ودهسها في مدينة رفح من قبل جرافة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي عمدًا وعن سبق إصرار وترصد، دون أدنى اعتبار واحترام للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي والداعم الأول والأكبر للاحتلال الإسرائيلي. كما لن تنسى الذاكرة الجمعية والتاريخ الجرائم الإرهابية لمجرم الحرب نتنياهو بقتله 78 صحفيًّا في قطاع غزة، وقتل خمسة آلاف فلسطيني في ثلاث حروب خلال خمس سنوات، والمؤسف فوق ذلك أنه يشارك في مسيرة ضد الإرهاب ويندد بالإرهابيين ويتناسى أنه في طليعتهم، بل يمثل قدوتهم وزعيمهم حاليًّا.
رأي الوطن