“فوبيا” عن سابق إصرار!!

لعله لم يكن علينا انتظار تقارير مراكز الأبحاث العالمية، التي صدرت على شكل جردات حساب لنهايات هذا العام الموصوف بأنه الأكثر توتراً، والتي تصرّح بأن تنظيم”داعش” الإرهابي و”إسرائيل” كانا الأكثر إجراماً في العام 2014.. بالفعل لم يكن علينا الانتظار لنتيقن من حقيقة الارتباط البنيوي بين “إسرائيل” وكافة أذرع الإرهاب في المنطقة، وهو المعطى المحوري – في مجمل أزمة إقليم بأكمله وليس بلدنا سورية وحسب- الذي أشارت إليه معظم التقارير والتصريحات الرسمية السورية منذ بدء إعلان التطبيقات الميدانية لسيناريوهات الحرب القذرة.

وإن كان ثمة تركيز على “داعش” اليوم، بالتأكيد لن تخلو تقارير الغد من الإشارة إلى أسرار البصمة الإسرائيلية في اختراع “أشقاء داعش” بمتوالية أسمائهم الطويلة، ما اندثر منها وما بقي وما سيولد لاحقاً، وهذا ما ننتظره من جوهر اعترافات المعترفين بعد هدوء العاصفة وتدفق الحقائق ولو بصيغة مذكرات حرب مضت.

لكن بما أن العالم المرتبك لم يرَ من كل هياكل الإرهاب العملاقة في سورية إلّا ذراعاً واحدة مُختزلة بتنظيم داعش، وبقيت الذراع الثانية متخفية تحت جلباب الفوضى المفتعلة، يبدو علينا أن نتابع تجليات” الفوبيا” التي اقتضت إقامة تحالف جوي ضد “داعش” بدأ يتقهقر أمام حقائق قلّة الفعالية والوقوع في شراك من حاولوا اصطياده.

وفي استقراءات المواكبة يتضح جلياً أن التحذيرات من تنظيم “داعش” لم تعد مجرد إعلان مواقف استعراضية تصر على المراءاة في إطلاقه هذه الدولة أو تلك بما فيها الدول الداعمة و”المتعاطفة” مع الإرهاب على سورية لاعتبارات مصلحية، بل تؤكد مجمل التحوّلات السياسية والعسكرية على الأرض أن “فوبيا التنظيم” باتت تقض مضاجع المقيمين في مقصورات السياسة، من المضمار العربي إلى الأوروبي إلى الأمريكي، خصوصاً بعد رصد وقائع الانتشار الأفقي لـ “شبابيك الاستقطاب والتجنيد” لصالح إرهاب الدواعش في أصقاع متفرقة من العالم، وتزايد تعقيدات ألغاز التمويل في ظل حقائق صعود الموجودات المالية التي بحوزة التنظيم، ثم تنامي ظاهرة نزوح الإرهابيين من التنظيمات الأخرى نحوه، وقد لا يكون فشل مشروع لعبة “شهداء اليرموك” الذين التحقوا بداعش مع أسلحتهم بعد أن تمّ تدريبهم وتسليحهم في الأردن بإشراف أمريكي وتمويل سعودي تحت عناوين من قبيل خدعة “المعارضة المعتدلة”، قد لا تكون الحالة الوحيدة التي ألهبت هواجس قادة وقوام دول “التحالف” الفاشل.

هواجس حدت بكل الراقصين استعراضاً لمحاربة داعش والحالمين بحيازة حصرية لوسام القضاء عليه، ليلوذوا بالصمت على هزيمة، ومكابرة على الاعتراف بالإخفاق، وبعد طول محاولات تحييد وتجاهل للقوة النارية والبشرية التي يتمتع بها الجيش العربي السوري في محاربة هذا التنظيم الخطِر، بدأ الحديث عن ضرورات الحل السياسي بصيغ مشابهة للتي طرحتها الدولة السورية منذ بداية ظهور ملامح الأفق الذي تتجه نحوه الحرب على سورية.. فـ “العناقيد العالية حامضة في شرع بنات آوى”..

الآن ثمة قناعة تبلورت لدى العالم، من قيادات التحالف المزعوم ضد الإرهاب إلى الأدوات والمطى التي يعتليها – وكلهم الداعمون التقليديون له- إلى المتفرجين ومدعيي الحياد، إلى الأصدقاء والمتضامنين مع الدولة السورية، الجميع مقتنع بأن القوة الوحيدة القادرة فعلاً على مواجهة خطر داعش هي الجيش العربي السوري.

ليغدو التسليم بهذه الحقيقة نقطة التحول النوعي في المواقف باتجاه نقاط تقاطع هي ذاتها التي تبدو الآن في واجهات الأروقة السياسية الأممية والتصريحات التي ترشح عنها يومياً، ولم نعتدها، نحن السوريين، لكنها جاءت رغماً عن إرادة من لم يرد، ليكون صاحب استحقاق الأوسمة في هزيمة “إسرائيل وداعش” هو ثلاثية الشعب والجيش والقائد، وإن كره الكارهون.

بقلم: ناظم عيد