صحيح أن بريطانيا هي صاحبة الدور الأساسي في ولادة الكيان الصهيوني في فلسطين، وإضاعة الشعب الفلسطيني بهذه الطريقة المأساوية بتحويله إلى لاجئين، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تسلمت هذا الكيان وتشمله برعايتها, وحولته إلى نجمة جديدة من نجوم علمها الخفاق.
لكن البعض احتار وحير، فمرة قيل إن أميركا تتبع إسرائيل، ومرة أن إسرائيل تابع للولايات المتحدة، لكن الواضح أن هذا الكيان احتل موقع القلب من الدولة العظمى وتدلل وصار له أن يفعل مايشاء في محيطه وفي العالم وأن يظل بعيدا عن المساءلة، فيما هو الجلاد فإذا به يصبح الضحية، والشعب الفلسطيني الضحية إذا به الجلاد. كلام نفاق في تاريخ مرئي ومسموع هو العلاقة بين تلك الولايات وبين ربيبتها إسرائيل.
منذ عام النكبة 1948 تتالت قرارات الأمم المتحدة بلا انقطاع لمصلحة القضية الفلسطينية، وحينما نفتش في ملفات تلك الأمم عنها نجد أنها لو نفذت لما وصل الحال الفلسطيني إلى ماهو عليه اليوم، فأقل مايمكن وصفه بالقرار المهم هو 194 الذي يضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم، ومع ذلك لم يجر شيء من هذا القبيل، بل إن القرارات التي تتابعت حملت في معظمها فيتوات أميركية أو مواقف معارضة أميركية .. في الوقت الذي تقدم أميركا نفسها بين الفينة والأخرى وكأنها ساعي خير بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ترسل وزراء خارجيتها لهذا الغرض، أو تصنع ممثلين للقضية من أجل حلها، فإذا بها تتعقد أكثر، وإذا بالأميركي المرسل ذي وجهين مختلفين واحد مع القيادة الإسرائيلية، والآخر مع الفلسطينيين. وليس جديدا على الفلسطيني الذي صار عمر بحثه عن حل لقضيته من عمر مأساتها أن يكتشف الحراك الأميركي الذي سيظل مشبوها، وأن تظل الثقة به معدومة نظرا للتاريخ الأسود الذي لعبه الأميركيون في القضية الفلسطينية وخصوصا لتاريخ القرارات الدولية والأممية التي شاءت أن تكون لصالح القضية.
اليوم تتغير وقائع، عالم أوروبي يقود ذاته للاعتراف بفلسطين كدولة. شاءت السويد وإسبانيا وحتى بريطانيا أم المأساة وتاريخها الأسود، وفرنسا مؤخرا وأميركا اللاتينية، أي هنالك الآن أكثر من مائة وعشرين دولة في طريقها للاعتراف بفلسطين، في وقت تتنكر أميركا أكثر فأكثر للقضية وللشعب الفلسطيني ولاحقيته في إقامة دولته. فغدا، سيكون الواقع الفلسطيني على مواعيد ذهبية وصلت الجرأة بالسواد الأعظم من العالم أن أعطى الفلسطيني حقه التاريخي في أن يكون له دولة، إلا الأميركي الذي يرتضي أن يظل على الهامش، سيد المناورة كي لايصل إلى الحقيقة، ولكي يمتنع دائما عن قولة الحق. بل إنه كلما تقدم تاريخ البيت الأبيض وجدنا أن رئيسه أكثر التصاقا بإسرائيل كما هو حال الرئيس أوباما الذي يعتبر سيد هذا الوصف بلا منازع. فهل كعادتها ستقف أميركا ضد التحول العالمي وضد مايسود البشرية من حرص على تقليد الفلسطيني مايستحقه بعد هذا العناء الطويل، بل مايجب أن يكون له مثله مثل كل شعوب الأرض.
التجارب الماضية تؤكد أن الولايات المتحدة وقفت دائما ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وهاهي اليوم أيضا ورغم الزخم السياسي الذي تحظى به القضية الفلسطينية، ورغم أن واشنطن تلعب دور الوسيط ـ أو هكذا تدعي ـ في الصراع الفلسطيني الصهيوني مما يفرض عليها الحياد في الموقف إزاء كل مايتصل بهذا الصراع إلا أن الولايات المتحدة تصر على الدوام أن تخذل المراهنين العرب على دورها وتعلن انحيازها التام للكيان الصهيوني ووقوفها إلى جانبه حتى ولو استدعى الأمر تحدي إرادة المجتمع الدولي الذي يفترض أنها تحترم إرادته، كما حصل يوم أمس حين اعترضت على القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين والتي صدرت بأغلبية ساحقة من أعضاء الأمم المتحدة ورغم أن بعض هذه القرارات ذات طابع إنساني بحت.
رأي الوطن العمانية