الشريط الإخباري

بين منظومتين.. استراتيجيات.. وأخلاق

المتمعّن الفاحص لاستراتيجيات الدول الأخلاقية في السياسة، يرى أنها تقوم على مبدأ أن السياسة تأخذ من اسمها نصيباً لتتلوّن حسب الممكن فيها.. وهذا الأمر يتحول عند أصحاب المبادئ، والقيم، والمنظومات الأخلاقية إلى ترجمة فعلية لما تقتضيه المصلحة الحقيقية للشعوب، من دون المساس بهيبة المبدأ وفعل القيمة الأخلاقية اللذين ترتكز عليهما هذه السياسة.

والحرب /المؤامرة/ التي تدور رحاها على الأراضي السورية، التي شنّت عليها باسم «التباكي..!!» على حقوق الإنسان والديمقراطية فيها، تعطي المثال الأكبر على المنظومة الأخلاقية المستغَّلة في علم السياسة، إذ إنها في حقيقتها للسيطرة على مقدرات وموارد الدولة السورية وإخضاعها، وتقسيم بنيتها الجغرافية وفق المذاهب والطوائف والإثنيات التي تخدم الغرب، وبخاصة اللوبي الصهيوني من دون أدنى التفات أو اهتمام بالمبادئ المعتمدة في التعاطي مع الدول، وضرورة الحفاظ على سيادتها. وذلك كله خدمةً للمشروع التقسيمي الذي عزمت على تنفيذه المنظومة الغربية غير الأخلاقية في هذه المنطقة.. فنرى السياسة الغربية لا تهتم بتطبيق الشرعية الدولية والقانون الدولي، وتالياً تُنتهك حقوق الإنسان باسمهما وتُستباح سيادة الدول باسم «الديمقراطية» التي لا تحمل إلا اسمها، فلا فعل أخلاقياً هنا، إلا تبعاً لما تقتضيه المصلحة القائمة على سفك دم الشعوب، وانتهاك حقوقها، وتقييد حريتها باسم ما قيل إنه: «حامل ربيع الديمقراطية» وهو، في الحقيقة، كسرٌ لسيادة الدول، والقضاء على مقاومتها، ونهب مقدراتها وثرواتها.

فلا أخلاق في السياسة الغربية، وبخاصة السياسة الأمريكية، وما يقوم الغرب به، ويوحي بأنه يُتخذ تحت قبة مجلس الأمن والأمم المتحدة، ما هو بأبعاده إلا انتهاك صارخ لكل القيم والمبادئ المتعارف عليها، ومنظومةٌ قائمة على لغة القوة والعنف، وبذريعة المسمّيات البراقة التي تصطنعها تحقق مصالحها المنتهِكة للحقّ الإنساني عامة ولسيادة الدول خاصة.

وفي المقابل، يلوح في الأفق القطب الروسي وحلفاؤه، الذي يشكل قوس قزح السياسة القطبية المتكافئة، ويقوم على مفهوم الأخلاق السياسية الحقيقية التي تتضمن فنّ الدبلوماسية، واحترام سيادة الدول، وحقوقها وحريتها على أراضيها من خلال منظومة أخلاقية يفتقدها العالم الآخر في علم السياسة.. والهجمة الشرسة على سورية التي طالت البنية التحتية فيها، وقتلت البشر، ودمّرت الحجر، وامتدت نيرانها إلى المنطقة تؤكد، أكثر فأكثر، أن القطب الروسي وحلفاءه، باستراتيجيته القائمة على أخلاق السياسة، والاحترام المتبادل بين الدول، هو الذي سيعطي المثال المستقبلي للعالم الغربي الذي أعمته استعماريته وعثمنته وجبروته وحب استغلاله للشعوب  وقهرها، وسيعلّمه كيف يجب أن تنتظم سلوكيات السياسة في التعاطي مع الجوار، والمنطقة، والعالم بأكمله، بدلاً من تصنيع الإرهاب، وتبنّيه، ودعمه، وتصديره بغية تحقيق الأهداف الاستعمارية المتوخاة.

وما تنحو إليه روسيا اليوم، على خلفية صنعها استراتيجيات، وتكوينها منظومات أخلاقية قانونية تعلّم القطب الغربي فنّ الاحترام المتبادل بين الدول، ماهو إلا الوجه الآخر للعالم الذي بدأ يتشكّل على أرضية صلبة، أخذت ملامحها بالظهور والتأثير، بعدما ساد الغرب وماد، عبر لغةٍ سجّلت في قاموس تاريخه الاستعماري غير الأخلاقي الذي لا ينبي عن أصالة وعراقة، يفترض أن تعرفا عن مدّعي الحضارة الذي يبدو الآن – أي هذا الغرب- متهالكاً وتابعاً وألعوبةً في يد اللوبي الصهيوني الذي ما عرفت الأرض إلا امتداداً لشرّه الشايلوكي على مرّ السنوات المتعاقبة.

لقد قالها سيّد الوطن: إن «الحرب الأمريكية» على «داعش» من دون غطاء من مجلس الأمن هو تدّخل غير قانوني وانتهاك للسيادة، فكيف يبدو حال الغرب إذاً، وبخاصة أمريكا، ومخططاته غير الأخلاقية وغير القانونية في استعمار الدول وانتهاك سيادتها وسفك دماء أبنائها بأيادي مرتزقة الأرض وسواطيرهم… هؤلاء المرتزقة الذين يبحثون عن أمثالهم من المرتزقة، وفي هولاند فرنسا، وأردوغان العثماني والأمريكي وأدواتهم وأتباعهم خير دليل..!!

بقلم: رغداء مارديني