منذ وصول دونالد ترامب إلى الحكم والمؤسسات السياسية الأمريكية تشهد ارتباكاً واضحاً في العلاقات التي تتدهور يوماً بعد يوم بما يهدد عصب التركيبة الدستورية لمؤسسات الدولة, إذ لم يعد يخفى على أحد أن الصراع السياسي المندلع بين البيت الأبيض وخصومه منذ مجيء إدارة ترامب، شهد نقلة كبيرة خلال الفترة الماضية التي شهدت معركة كسر عظم بدأت بتبني «الكونغرس» قراراً بوقف الدعم العسكري الأمريكي لتحالف العدوان السعودي على اليمن, وتحدي ترامب للمشرعين باستخدام «فيتو» ومن ثم فشل مجلس الشيوخ في إبطال «فيتو» ترامب المستميت بدعم حليفه السعودي.
الجدل المتصاعد بين ترامب و«الكونغرس» أثار مخاوف جدية في صفوف الدوائر والأوساط السياسية والفكرية الأمريكية، وخاصة في ظل انتقال الأمور من طور الخطاب الموتور الذي يتبناه ترامب منذ وصوله إلى السلطة إلى طور ما بدا أنه بداية صدام كاسر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وما يزيد من حدة المخاوف, وصول الصراع إلى مرحلة غير مسبوقة ومفتوحة على المزيد من التدهور, ما يهدد بالقضاء على الدور المفترض أن يلعبه «الكونغرس» كحكم أخير لفض الاشتباك, في حين يحذر مشرعون أمريكيون من أن يتعذر على «الكونغرس» القيام بمهمة الحسم وردِّ الأمور إلى نصابها في الوقت الذي تصبح فيه كل الاحتمالات واردة ولاسيما أن الأجواء مهيأة لتصفية الحسابات، والهوة واسعة بين الجانبين ومخارج التسوية مفقودة. ناهيك بأن «الديمقراطيين» يرون أن ترامب يسعى لمنع «الكونغرس» من القيام بأي تحقيق من أي نوع حتى في أكثر قراراته تهوراً ما يفقد «الكونغرس» صلاحية الوقوف في وجه أي رئيس في المستقبل.
من المعروف للجميع أن النظام الأمريكي ينهض على التوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، إذ تقوم كل سلطة بدور الرقيب على الأخرى, فصلاحيات السلطة التنفيذية الواسعة توازيها صلاحيات السلطة التشريعية الكبيرة لكبح الرئاسة.
لكن منذ وصول ترامب إلى الحكم انقلبت الطاولة السياسية وباتت مهام السلطات على الورق فقط, فترامب ضيّق الخناق على جميع السلطات متسلحاً بـ«الفيتو الرئاسي» الذي استخدمه مرتين منذ تسلمه الحكم قبل عامين, وعليه فمن الطبيعي أن تنفجر حرب الصلاحيات بين ساكن البيت الأبيض وبين مجلسي «الكونغرس» وخاصة مجلس النواب الذي يسيطر عليه «الديمقراطيون» والذي يستجمع أوراقه لتأكيد دوره وترتيب أولويات معركته المفتوحة مع ترامب وبحث إمكانية البدء بإجراءات عزله وخاصة بعد تأكيد تقرير المحقق روبرت مولر أن ترامب كاذب ويحتقر القانون, ما يجعل المشرعين الأمريكيين قادرين على إدانته لخروجه الواضح على القانون وإساءته للرئاسة بالإضافة إلى هجومه المتزايد على «الديمقراطية».
.. إلا أن هناك مخاطر سياسية في عملية العزل تجعل المشرعين وخاصة «الديمقراطيين» يعملون اليوم على استمالة المزيد من «الجمهوريين» إلى صفوفهم وتحشيد الناخبين استعداداً للمعركة الكبرى المتمثلة بانتخابات 2020 الرئاسية على أمل أن تكون الفرصة الذهبية لإقصاء ترامب عن الحكم إلى غير رجعة.
بقلم: صفاء إسماعيل