الشريط الإخباري

«أضغاثُ أحلامٍ» سياسيّة

«غراهام» قرّر وبعد ثماني سنوات على ما يسمى «الربيع العربي»، وقبله التطبيقات العملية لنظرية «الفوضى الخلّاقة» القيام بجولة استثنائية برفقة «النتن ياهو» والسفير الأمريكي في «إسرائيل»، ومن الطبيعي أن تفرز هذه الجولة «أضغاث أحلام» الصهيو-أمريكية، ولاسيما أن هذا الجسد السيميائي أصابته أعراض ما بعد التخمة الناتجة عن الاضمحلال، الذي تعيشه بعض الدول العربية، والذي أوصلها حدّ الارتهان للقرارات الأمريكية، والتسابق فيما بينها لحجز مقعد لحضور علني وفعلي للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

ولتكون الأحلام أماني مأمولة تعود لخمسينيات القرن الماضي، ومادامت القيادة الأمريكية قد حققت أبلغها (ألا وهو الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي)، فلابدّ من أن التواطؤ سيفتح قريحة الزائر «غراهام» للتعهد لـ«إسرائيل» بالعمل من أجل اعتراف واشنطن «بسيادة إسرائيل» على الجولان، في تصريحات ذيّلها عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بتسويغات لاتخفى على أحد، وتتمثل بأن المصلحة الأمريكية تكمن في أن تعيش «إسرائيل» في أمن، وتتمتع بالازدهار، وأردفها بـ«لماذا»؟!

أداة الاستفهام غير واجبة في حضرة جواب معروف: (بسبب القيم المشتركة، والأعداء المشتركين)، فوسط هذه المنطقة الحافلة بالمشكلات، لابدّ من أن تكون «إسرائيل» من الناحية العسكرية، أفضل «دولة» بالنسبة لأمريكا.

ما بين قضية تتعلق بحقوق الإنسان وقضية وضع قانوني كان الاستهتار بقدرات وقوى الدول الرافضة للارتهان الأمريكي، والرافضة للوجود الاستعماري الإسرائيلي على أرض فلسطين، والتي لن تقبل التنازل عن شبر واحد من أرض الجولان المحتل.

فاللعب بالمصطلحات، حتى وإن كان في تقرير حقوقي، يمكن أن يتحوّل إلى أكثر من مجرد وصف جغرافي لن تقبل به دولة بحجم سورية.

السيناتور الأمريكي الحالم «غراهام» يعتقد بأن الظروف مواتية لبقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وانتزاع الاعتراف الدولي بذلك، لكن يثور في وجه وقاحته السياسية السؤال:

أين أنتم من إرادة الشعوب ومن سيادة الدول والقوانين الدولية؟ وحرب الثماني سنوات على سورية وانتصارها على كل من استطعتم لمّه واستمالته للمشاركة في العدوان، ألم ينذركم بعواقب التعدي على السيادة السورية؟ أم إن «أضغاث أحلامكم» جعلتكم سكارى حدّ التجرؤ على التعبير عن أمانيكم علناً في محاولة آنية منكم لتحقيق مصالح وأهداف سياسة داخلية لساسة كيانكم الصهيوني، الذين هلّلوا ورحّبوا وضجّت معهم عناوين صحفهم وأخبارهم المتلفزة بإعلان كهذا، يأملون معه التحقيق، وليكون مشروع قانون ملزم؟!

سورية وجّهت رسائل تدين فيها تصريحات «ليندسي غراهام»، وجغرافيتها لاتزال مجيّشة الساحات، وزنود قوّاتها المسلحة متأهّبة قابضة على الزناد، وأهلنا في الجولان مستمرون في رفض كل أنواع التهويد ورفض الاعتراف بسلطة «إسرائيل» المحتلّة، التي رغم عنجهيتها سلطة واهنة أجفلها صاروخان بدائيان أطلقتهما المقاومة في غزة، فكان الاستنفار وإطلاق صافرات الإنذار أمراً بدهياً، فمادام المستهدف كياناً احتلالياً غير شرعي، لابدّ من أن تشتعل في حضرته المقاومة فعلاً طبيعياً، لا تثنيها القبب الحديدية ولا الفولاذية عن المطالبة بحقها في الوجود، وليستيقظ الغافلون من أحلامهم، ويفهموا أن ما يقولونه وما يأملون في تحقيقه مجرد «أضغاث أحلام».

محمد البيرق