الشريط الإخباري

معضلة الانسحاب – صحيفة البعث

في الواقع، المعضلة – قبل أن تكون في الانسحاب – هي في الوجود الأمريكي في سورية وانعكاساته السلبية على المسارين السياسي والعسكري لحل الأزمة الناجمة عن العدوان عليها. فقد بدأت المعضلة من الأيام الأولى للأزمة وكان هذا واضحاً من الأنشطة المعادية التي رعتها، وكانت ترعاها السفارة الأمريكية بدمشق ممثلة بزيارات السفير فورد المبكّرة والتحريضية إلى عدد من المناطق الساخنة، وما يتصل بذلك من مهاجمة القوات المسلحة العربية السورية أثناء ضربها العصابات الإرهابية، ولاتزال قصة جبل الثردة في دير الزور شاهداً على ذلك… وصولاً إلى العقوبات، وإضعاف الدولة الوطنية، والسعي لتفتيت وحدة الأرض والشعب.. واستمرت المعضلة.

مؤخراً، أتى قرار ترامب بانسحاب قواته «المفترض» من سورية – انسحاب القوات، وليس السياسات المناهضة للحقوق الوطنية والقومية العربية – هذا القرار ملأ الدنيا وشغل الناس بسرعة في أسبابه وأبعاده وأهدافه، ولجأت مختلف الإدارات والحكومات ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث إلى التحليل والتأويل والاجتهاد نظراً لأمرين

أولهما: غموضه واقترانه بافتقاد المصداقية في نسق السياسة الأمريكية. وثانيهما: قناعة شعوب العالم بأن ترامب لن يستطيع أن يغيّر وجه أمريكا، وأن ادعاءه بأن بلاده لن تبقى شرطي العالم هو ليس أكثر من عبث وتضليل.

كثيرون هم الذين راودتهم فوراً أحلام ملء الفراغ قبل الانسحاب المفترض، ظناً منهم – وبئس الظن – أن الولايات المتحدة تمهّد الطريق بصدق وثقة وأمانة، فأين هذا من الأمريكان؟!

وكثيرون هم الذين ظنّوا أيضاً أن الانسحاب يخدم آمالهم، وكأن من عادة الأمريكان توزيع الحلوى، لذلك الناس اليوم حيارى أمام الإجابة الواضحة على من هو المستفيد من الانسحاب ومن هو المتضرر؟، من هو المتفائل عن يقين ومن هو المتشائم عن يقين أيضاً؟! وهذه الحيرة مبعثها قلة الثقة المعهودة والمستدامة بالسياسات الأمريكية إزاء العالم كله.

لذلك نشهد بُعيد الإعلان عن الانسحاب حراكاً سياسياً، وقليل منه عسكري، عند مختلف الأطراف هو عبارة عن ردة فعل اعتباطية ومتسرّعة على شيء لايزال افتراضياً في شكله ومضمونه وذلك لاعتبارات عديدة.

ولربما يتمثّل هذا الاعتباط والتسرّع أكثر ما يتمثّل في ردة فعل النظام التركي ممثلاً بالضليل أردوغان الذي يرى في الانسحاب فرصته كما يدعي للقضاء على داعش، وعلى الفصائل الكردية، وعلى الوجود الفرنسي أيضاً وعلى، وعلى… وكأن الهدف الأمريكي من الانسحاب هو تعويم أردوغان على حد تصريحات نظامه المنطلقة من الاعتزاز والتباهي بـ«قدرة» أردوغان على دفع ترامب إلى هذا القرار بدوافع مقنعة إثر المكالمة التي جرت بينهما في الرابع عشر من الشهر الجاري.

ويبدو أن أردوغان يظن أن ترامب تخلّى بانسحابه عن الطموح بأن يكون شرطي العالم، ووهب هذا الطموح ليكون لاحقاً لأردوغان بأن يكون شرطي المنطقة. ولا عجباً في ذلك، فرهان الأمريكان على الأخونجية لا ينقطع، وخاصة أنهم يلمسون أن المشروع الصهيوني بات محاطاً بعديد من الخطوط الحمر الوهّاجة.

لكن العالم يتغيّر، فترامب مأزوم في إدارته، وكذلك ربائبه في المنطقة – نتنياهو وعدوان الأمس على سورية ولبنان -. وسورية وحلفاؤها بدؤوا يظهرون أكثر قوة وصلابة، وستنجلي مسيرة الصمود والمقاومة قريباً عن نصر واستقرار وبناء وإعمار معنوي ومادي.

فشعوب الأرض تكاد تجمع على أن الدور التدخلي للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية مقترن بالشر والخراب، فلا يكاد أحد يصدق أن الولايات المتحدة ممكن أن تكون في يوم من الأيام بعيدة عن سياسات النهب والاحتكار والاستلاب الامبريالية المتوحّشة، ولا يصدق أحد أن الرئيس ترامب ولا من سبقه أو من يليه في المستقبل القريب قادر على تغيير الوجه القبيح للسياسة الأمريكية في المنطقة وفي العالم.

فهذه أرضنا، وهذا شعبنا، وسيعود بمختلف السُبل كل شبر من هذه الأرض إلى الوطن الأم، كما سيعود كل من غُرر به من هذا الشعب إلى وعيه وهويته وانتمائه الأصيل، إلى دولته الوطنية، الجمهورية العربية السورية بصمود الشعب والجيش مع القائد الأسد.

د. عبد اللطيف عمران