حماة-سانا
لم تكن نهيدة علي تعلم عندما تركت مدينة دمشق وعادت مع أسرتها إلى قريتها المرحة بريف حماة أنها ستكون أول امرأة سورية تشغل منصب المختار وتسجل بصمة جديدة للنساء في مواقع سجل عليها للرجال فقط.
تولت علي منصب المختار كاسرة تقاليد وأعراف اجتماعية تقيد المرأة في مواقع محددة وترسم لها طموحات صغيرة قد لا تتعدى المنزل أحيانا وتقول واجهت في بداية عملي انتقادات البعض وأقاويلهم وصل بعضها إلى حد نعت القرية بأنها باتت خالية من الرجال لكن مع الوقت اكتسبت تأييداً ودعما نتيجة جهودي والتزامي بتسهيل أمور سكان القرية.
وتروي علي تفاصيل قصتها التي بدأت مع قدومها وعائلتها إلى قرية المرحة بمنطقة مصياف للإقامة الدائمة فيها بعدما كانوا يقطنون في دمشق قائلة بعد مرور عدة أسابيع على إقامتنا في القرية بات منصب مختار القرية شاغراً وتعذر تكليف أحد من أبناء القرية به ولا سيما أن هذا المنصب يحتاج عادة إلى شخصية معروفة وذات صيت حسن وسيرة طيبة ومن وجهاء القرية المعروفين فضلا عن ضرورة أن يكون المرشح من حاملي شهادة التعليم الأساسي.
وتضيف طرح رئيس بلدية القرية وبعض الأشخاص من محيطنا الاجتماعي والعائلي فكرة استلامي المنصب ولا سيما أن القانون لا يمنع تسمية امرأة كمختار في البداية لم آخذ الموضوع على محمل الجد وبقي في حدود الفكاهة والطرفة غير أنه ما لبث أن أصبح أمرا واقعاً ووافقت على المهمة.
وتعزو علي موافقتها لتشجيع زوجها الذي خلق لديها الحماسة والرغبة في قبول الوظيفة إضافة للعديد من أقاربها فيما انقسم أهل القرية والجهات المعنية في المحافظة بين مرحب ومشجع لها ومعارض ومستهجن للفكرة مؤكدة أن الأمر لم يؤثر في أدائها لمهمتها.
وتذكر علي بداية كان لدي اعتقاد خاطىء عن وظيفة المختار فكنت أظن أنها سهلة وتقتصر على توقيع وختم شهادات الميلاد والوفاة وسند الإقامة وبعض المعاملات الاجتماعية المحلية لكن بمرور الوقت تبين أنها على درجة كبيرة من الأهمية ويقع على عاتقها مسؤوليات في مختلف المجالات الخدمية والمعيشية والاجتماعية والصحية والتعليمية.
ومن خلال خبرتها التي تجاوزت السنتين ترى علي أن منصب المختار مظلوم في مجتمعنا في ظل رؤية قاصرة وخاطئة كرسها بعض المخاتير نتيجة جهلهم للقوانين والتعليمات وواجباتهم وحقوقهم التي كفلها القانون لهم والتي تعينهم على تحسين الواقع الخدمي والاجتماعي لأبناء قراهم وبلداتهم والأحياء السكنية التي تقع ضمن نطاق عملهم.
وتؤكد علي ضرورة أن يختار أهالي القرى والبلدات مختارا يمتلك النزاهة والخبرة والقدرة على إنجاز الأعمال المنوطه به بكل شفافية وإخلاص وتفان ويسعى لتحسين أوضاع بلدته من النواحي كافة.
وتحاول علي الموازنة بين مهامها الوظيفية وواجباتها كأم لثلاثة أطفال وتمكنت على حد تعبيرها من حل هذه المعادلة إيجابيا وانجاز كل المعاملات الواردة إليها بسرعة ودقة عالية دون أخطاء أو تجاوزات والحرص على حسن استقبال المواطنين كما ساهمت من خلال موقعها في تأهيل وإصلاح مدرسة التعليم الأساسي في القرية وإلغاء قرار الهدم الذي صدر بشأنها سابقاً بحجة أنها خارج الخدمة وآيلة للسقوط فتمكنت من إعادتها للخدمة والاستثمار واستقبلت التلاميذ الذين كانوا يضطرون سابقاً للدوام في مدارس تقع في قرى مجاورة ويتكبدون معاناة ونفقات تنقلهم إليها.
وتقول علي نجاحي بعملي وأداء مهامي وضع الحد للكثير من الاعتقادات الخاطئة بأن تولي امرأة لهذا المنصب يساعد الانتهازيين على التحكم بها وقيادتها وإملاء الأوامر والتعليمات عليها وحرفها عن مهمتها ويسهل عليهم تمرير بعض القضايا التي تصب في مصلحتهم الشخصية وتتعارض مع المصلحة العامة لكن خاب أملهم فأنا أكثر صلابة وصرامة من الرجل في تنفيذ القوانين والتعليمات الناظمة.
وتعبر علي عن فخرها واعتزازها بكونها أول امرأة في سورية تتبوأ منصب المختار وعن أملها بأن تسهم من خلاله في تحسين الواقع الخدمي لقريتها والارتقاء بالواقع التعليمي والثقافي للسكان عبر إحداث مركز ثقافي في القرية وتفعيل دور منظمة الاتحاد النسائي للنهوض بواقع المرأة وتحسين كفائتها المهنية والتعليمية لتحتل موقعها في مسيرة البناء وإعادة إعمار سورية المستقبل.
ويرى غزوان رحال مدير المجالس المحلية في محافظة حماة أن استلام علي لمنصب المختار تجربة رائدة على مستوى الإدارة المحلية أثبتت نجاحها وأكدت قدرة المرأة على ممارسة كل حقوقها والوقوف جنباً إلى جنب مع الرجل لبناء الوطن.
ويؤكد رحال ضرورة أن تحصل علي على كامل الدعم من أبناء قريتها للتمكن من أداء مهامها بالشكل الصحيح وتتلافى أي خطأ مبيناً أنها تعمل حالياً بإشراف رئيس بلدية قرية المرحة وتنسيق كامل مع كل الجهات الوصائية الأخرى وبما ينسجم مع القوانين والأنظمة النافذة.
ويشير رحال إلى دعم مديرية المجالس المحلية لهذه التجربة وأي تجربة تشجع المرأة على شغل مناصب ومواقع عمل جديدة مبينا أن المديرية استطلعت رأي أهالي قرية المرحة وتبين أن معظمهم راض عن أدائها.
موقع المختار لم يعد للرجال فقط هذا ما أثبتته علي وتثبته نساء سورية كل يوم وفي كل مكان في مجلس الشعب والحكومة وجميع المؤسسات العامة والخاصة ليؤكدن بصوت واحد نحن إلى جانب الرجل وربما أمامه بطموح لا حدود له.
عبد الله الشيخ