تختلق الدول الغربية الذرائع للتدخل في شؤون الدول الأخرى خلافاً للقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، وتقدم الفرضيات والشروط التي تخدم أجنداتها السياسية دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق الدول التي لا تتفق معها في رؤيتها أو ترضخ لشروطها السياسية.
المثال الصارخ لهذا الواقع الأليم اليوم هو ادعاء الخارجية الفرنسية أن تسليم روسيا منظومة (اس-300) الصاروخية الدفاعية المضادة للطائرات إلى الجيش السوري يعرقل آفاق التوصل لحل سياسي، دون الإفصاح عن الصلة بين الملفين وما هو تأثير أن تمتلك سورية وسائل دفاعية على الحل السياسي، إلا إذا كانت فرنسا ومن سبقها لمثل هذا الموقف يريدون فرض الحل السياسي على الشعب السوري بالقوة.
التحليل المنطقي للمواقف الفرنسية والبريطانية والأميركية الرافضة تسليم سورية منظومة (اس 300) لا يمكن فهمها إلا في سياق محاولة هذا المحور الداعم للإرهاب فرض الحل السياسي على الشعب السوري وحماية الطائرات الإسرائيلية التي تشن اعتداءات متكررة على الأراضي السورية في انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة.
وكذلك الأمر بالنسبة لهذا المحور إن استباحة الأجواء السورية وإظهار الحكومة السورية عاجزة عن الدفاع عن شعبها وسيادتها يساعد في إتمام الحل السياسي، أما عكس ذلك والذي تحقق جزء منه منظومة (اس 300) فهو لا يصب في مصلحة الشعب السوري حسب الموقف الفرنسي.
هذه المواقف الغربية تجاوزت سياسة -المعايير المزدوجة- التي ميزت السياسة الغربية خلال العقود الماضية إلى حالة العدوان المباشر وإملاء المواقف على الدول والشعوب وتحديد ما ينفعها وما يضرها وهو ما يعيدنا إلى المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ولجوء الدول الاستعمارية إلى تقسيم الدول فيما بينها تحت اسم (الوصاية).
لا شك أن الدول الغربية تحلم بعودة مرحلة الوصاية ولكن الواقع والظروف الجديدة ستبقيها أسيرة هذه الأحلام فالعالم تغير وشراسة سياسة الدول الغربية في هذه المرحلة تعود لإدراكها بهذا الواقع وعجزها عن وقف تقهقر قوتها وتراجع تأثيرها أو شل قدرة منافسيها.
مع الأسف لم تكلف الخارجية الفرنسية نفسها السؤال كيف تقنع الشعب السوري بأن تزويد بلاده بمنظومة (اس 300) الكفيلة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية سيؤثر على العملية السياسية؟ وهذا يعكس حالة مرضية في التفكير وسوء تقدير لموقف الشعب السوري الرافض لما ارتأته المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية.
إن القراءة المتأنية للمواقف الغربية المحذرة من عواقب تسليم سورية (اس 300) تكشف حجم تراجع تأثيرها على المستوى الدولي واقتصاره فقط على الجانب الإعلامي الدعائي أو التصريحات الجوفاء.
التصريح الفرنسي وقبله البريطاني والأميركي حول (اس 300) يعكس قلق المحور الداعم للإرهاب من تعزيز قوة الدولة السورية والذي يفضي إلى الحل السياسي الذي يبتغيه الشعب السوري والذي يعمل هذا المحور على عرقلته عبر الاستمرار بحماية ودعم التنظيمات الإرهابية في إدلب وميليشيات في مناطق أخرى.. في السياسة الفارق كبير بين الفاعل والمنفعل وبين المؤثر والمتأثر.. فمنظومة (اس 300) أصبحت بحوزة الجيش السوري ومعركة المحور المكافح للإرهاب تشرف على نهايتها ولا داعٍ لشرح معنى ذلك.
صحيفة الثورة