واشنطن-سانا
مع تفاقم حالة الاستياء والهلع التي تعتري الدول الغربية إزاء تفشي ظاهرة الإرهاب والتطرف واقتراب نيرانها من مجتمعاتهم جاءت الهجمات الأخيرة التي وقعت مؤخرا في عدد من الدول بما فيها الولايات المتحدة وكندا لتؤكد حجم الورطة التي أوقعت حكومات تلك الدول نفسها فيها بسبب سياساتها الداعمة للإرهاب في سورية واتباعها معايير مزدوجة عبر تصنيفها الإرهابيين في خانة “جيدين” يخدمون المصالح الغربية ويجب دعمهم و”سيئين” يجب محاربتهم.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحليلا أعده الكاتب ديفيد كيركباتريك أوضح فيه أن الهجمات المتفرقة التي شهدتها الدول الغربية على غرار ما حدث في كندا من هجومين استهدف أحدهما البرلمان والآخر جنديين كنديين فضلا عما حدث في مدينة نيويورك الأمريكية إثر هجوم رجل يحمل فأسا على أربعة من رجال الشرطة تسلط الضوء على الورطة الحقيقية التي تواجهها حكومات تلك الدول وأجهزتها الأمنية في محاولاتها لدرء مخاطر التطرف والإرهاب عن أراضيها وسط مخاوف من تغلغل من يطلق عليهم اسم “ذئاب منفردة” وهم متطرفون يرتبطون بتنظيمات إرهابية في المجتمعات الغربية.
وأوضح كيركباتريك أن الهجمات الأخيرة أوقعت الأجهزة الأمنية الغربية في مأزق إذ أنها جاءت وسط إجراءات مشددة وواسعة تتخذها الدول الغربية لمنع مواطنيها من السفر إلى سورية والعراق للانضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي خشية أن تكون عودتهم لاحقاً مصدر تهديد داخلي.
وفي إشارة إلى فشل هذه الإجراءات الأمنية لفت كيركباتريك إلى الهجوم الذي نفذه مايكل زيهاف بيبو على مبنى البرلمان الكندي قبل أيام أظهر أن هذا المهاجم كان أصلا مصدر خطر وأن منعه من السفر بعدما ابلغ والدته انه يعتزم الرحيل إلى سورية لم يؤد سوى إلى إبقاء هذا الخطر في الداخل.
وأشار كيركباتريك إلى أنه على الرغم من عدم وجود دليل على وقوف شبكة ارهابية منظمة وراء الهجمات الاخيرة في الدول الغربية إلا أن خبراء لاحظوا أنها في كل حالة كانت من تخطيط أو تنفيذ افراد دفعتهم وحرضتهم رسائل متطرفين يروجون لفكر وايديولوجية تنظيم “داعش” الإرهابي المظلمة وكلها حدثت في شهر واحد منذ أن بدأ هذا التنظيم بتحريض المتواطئين معه في الغرب على تنفيذ مثل هذه الهجمات.
ولفت كيركباتريك إلى توافق محللين كثر على أن المخططات التي ترسم في مناطق بعيدة عن دائرة نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي سواء في سورية أو العراق والهجمات التي يجري تنفيذها تشير إلى حدوث تغير في طبيعة التنظيم المذكور وطبيعة تهديده للغرب.
وأوضح كيركباتريك أن تنظيم داعش الإرهابي ومنذ أن بدأت الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لاستهداف مواقعه حاول الرد بتحريض المتعاطفين معه في الغرب على توجيه ضربات مضادة نيابة عنه وباسمه ما شكل تحديا جديدا بالنسبة للحكومات الغربية وأجهزتها الأمنية.
وفي ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لوقف التمدد الإرهابي الذي بدأت نيرانه تنتشر لتصل إلى الدول التي دعمته أصلا تناقضت مواقف الساسة البريطانيين والأمريكيين بشأن آليات التصدي لمخاطر التطرف والتنظيمات الارهابية وهذا ما بدا واضحا في الانقسام الذي حدث داخل الحكومة البريطانية حول قرار دعم التحرك العسكري الأمريكي المزعوم ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وكانت النتيجة محسومة طبعا باتباع لندن لخطى سيدتها واشنطن .
وعلى الرغم من مسارعة بريطانيا إلى الانضمام للتحالف الذي أنشاته الولايات المتحدة بحجة التصدي لتنظيم “داعش” الإرهابي إلا أن انتقادات كثيرة تواجه التحرك البريطاني الجديد حيث أشارت صحيفة الاندبندنت البريطانية إلى أن نائب القائد العام السابق لقوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” الجنرال البريطاني ريتشارد شيريف يرى أن مشاركة بريطانيا في الضربات الجوية غير كافية في ترويج واضح لشن عمليات عسكرية برية ونشر قوات قتال بريطانية بحجة قتال تنظيم “داعش” الإرهابي.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن البروفسور دوغلاس بورش الخبير في شؤون التطرف يختلف تماما مع رأي شيريف إذ انه يعتبر أن جميع التدخلات العسكرية التي قامت بها بريطانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي انتهت “بنتائج كارثية” وجعلت الوضع أسوأ.
ووفقا لـ بورش فإنه في حال تدخلت بريطانيا اكثر في الحملة المزعومة ضد التنظيمات الارهابية في سورية والعراق فان ذلك قد يؤدي إلى تزايد اعداد الاشخاص الذين يتوجهون إلى سورية من أجل الانضمام إلى هذه التنظيمات.
وليس من المستغرب ان تلحق بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية بركب حليفتها واشنطن في التسويق لمزاعم محاربتهم تنظيمات ارهابية معينة في سورية والعراق في الوقت الذي يواصلون فيه دعم تنظيمات ارهابية اخرى البسوها عن سابق عمد وتخطيط رداء “الاعتدال” المزيف خدمة لمصالحهم في المنطقة .