الشريط الإخباري

لا.. ليس هذا هو الحل

ما الذي تفعله السياسة الأميركية في المنطقة؟ سؤال عريض جداً ينبغي التوقف عنده ملياً، وتالياً، الإجابة عنه، فمن يسمع التصريحات المتناقضة، ويرى الخلط الكبير في المواقف والرؤى يشعر وكأن العالم منهمك في حلّ الأزمة في سورية، لذلك التصعيد المريع في عين العرب السورية، وقبلها ما جرى من إثارة موضوعات في أماكن أخرى، سواء تلك التي خفت تسليط الضوء عليها، أو تلك التي اتخذت شماعةً وذريعةً مرةً لتدريب من يسمون معارضين سوريين معتدلين، وأخرى حول تدريب طيارين، وغيرها مما يقوم به مرتزقة واشنطن، وآخرها ذاك التحالف المزعوم الذي مزجت فيه أميركا السمّ بالدسمّ معاً، مع محاولتها حالياً انتزاع موافقات من دول عربية حصراً على إرسال قوات برية إلى سورية خدمةً لـ «إسرائيل»، بتمويل من عاصمة الجِمال السعودية.

وفي المقلب الآخر، محاولات الغرب المستميتة لعقد المؤتمرات بشأن سورية ولاجئيها، وليس آخرها ما أعلنته وزارة الخارجية الألمانية عن عزمها على عقد مؤتمر دولي يدور حول اللاجئين السوريين، الذي من المنتظر أن يُعقد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الألمانية برلين، ومثله المؤتمر الذي استضافته لندن وذلك على الرغم من أن ألمانيا نفسها كانت قد صرّحت، وعلى لسان وزير خارجيتها الأسبق أمام نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاشر من أيار العام الماضي، بأن هناك فرصة لتجنّب تصعيد الأزمة في سورية، مع ضرورة اتخاذ إجراءات تمنع مرور السلاح غير القانوني وإدخاله إليها، إضافة إلى القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بضرورة محاربة الإرهاب ومنع دعمه وتمويله من الدول التي تحتضنه وترعاه.

إن كل ما سبق، وذاك التضارب الواضح في لعب الأدوار، يبين أن أمريكا تلعب على عامل الزمن، ولاسيما عندما أعلنت أن العمليات العسكرية لما يسمى «التحالف الدولي» قد تستمر ثلاثين سنة، ما يعني أن أميركا ترغب في إعادة ترتيب الأوراق الخاصة بالمنطقة على مهل وبتروٍّ، وليس محاربة الإرهاب كما تدّعي.

وما تلك المناورات بين أميركا وتركيا والسعودية إلا سيناريو أبطاله ممثلون يتبادلون الأدوار حيناً، ويجتمعون على خشبة واحدة حيناً آخر.. والهدف أمران فقط لا ثالث لهما يهمّان أميركا ويعنيانها في المنطقة، وهما تحقيق مصالحها وضمان أمن «إسرائيل».. ولعل التذكير بذلك ضرورة لأن الغرب مع بعض الدول الإقليمية والعربية يستميت لإعادة رسم استراتيجية حدود المنطقة العربية بما يخدم مصالحه، تنفيذاً لاستراتيجية «عشّ الدبابير»، تلك الاستراتيجية التي رسمتها المخابرات الأميركية والبريطانية والصهيونية لتأسيس تنظيم إرهابي قادر على استقدام المتطرفين من كل أنحاء العالم، وبالطبع الهدف منه إعلان يهودية «إسرائيل» وحمايتها.

ومع هذا الخلق الإرهابي سال لعاب القوى الاستعمارية لإعادة السيطرة مجدّداً، بما يعني مدّ النفوذ وإعادته وفق تلك الاستراتيجية التي عبّأت كل القدرات والإمكانات الداعمة والمموّلة والمدرّبة لتمكين هذا الإرهاب أو هذا العدو الإرهابي من تحقيق هدفه الذي عبّرت عنه الوثائق المسرّبة من وكالة الأمن القومي الأميركية، التي أكدت أن الحلّ الوحيد لحماية «إسرائيل» يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجّه نحو الدول العربية والإسلامية الرافضة لوجوده، وهو ما يندرج تحت عنوان «استراتيجية عشّ الدبابير» البريطانية القديمة تسميةً، والحديثة استعمالاً، والتي مهدت لظهور «داعش» بإشراف «الموساد»، وهو ما أكده المحلّلون الأميركيون أنفسهم الذين يعلمون أن التحالف لم يؤسّس لمحاربة «داعش» لأنه صنيعة يديه، وإنما لأهداف أخرى موضوعة في أجندات السياسات الأميركية الصانعة، والتركية التابعة، والسعودية المموّلة.

لذلك يتناول الحديث، الذي ولّدته الأزمة في سورية، أزمة الثقة بالمجتمع الدولي، وكيفية التصدي لمحاولات البعض إجراء تغيير قسري في جغرافية دول العالم، لكن مَنْ خلق «داعش» كيف سيحاربه قبل أن ينفذ الأهداف التي وجد من أجلها؟!! وكذلك السياسات الرعناء في المنطقة، والعدوانية المبيّتة التي ما زال خطرها معربداً، ودعم الإرهاب، والعالم الذي لا يرى أن تركيا والسعودية هما عرّابتا الإرهاب العالمي والخطر الحقيقي على العالم، بتلك السياسة التهديدية التي تنتهجانها في المنطقة!!

كلّ هذا لا يمنع التفكّر بما صرّح به فولكر كاودر رئيس كتلة التحالف المسيحي في البرلمان الألماني من أنه: «لا يمكن الاكتفاء بمشاهدة كيف يقوم تنظيم «داعش» بالسيطرة على مدن حدودية، الواحدة تلو الأخرى، ما بات يهدّد الأمن العالمي، لا، ليس هذا هو الحل».

ما الحل إذاً؟ إنه سؤال مرهون بالمجتمع الغربي الذي يعيش أزمة ثقة بكل مؤسساته ومنظماته من دون ردع السياسات العدوانية الضارية، مكتفياً بالمؤتمرات والتصريحات الجوفاء، ومبطِّناً المصالح والأهداف والغايات التي لم تعد تخفى في آلية اللعب على الوقت.

بقلم: رغداء مارديني