يمكن أن نطلق على ما واجهته سورية خلال السنوات الماضية في جانب أساسي منه بالحرب الكاشفة سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي لأنها كانت اختباراً للجميع من حيث صدق المواقف والانسجام مع الشعارات المرفوعة أو لجهة الانتماء السياسي والحزبي وغيره فالحرب على سورية كانت حرباً مركبة في أبعادها ومستوياتها وأدواتها والعناصر الفاعلة فيها إلى جانب إنها كانت متعددة الأهداف يأتي على رأسها وفي مقدمتها تدمير الدولة السورية بكل مكوناتها العسكرية والاقتصادية والبشرية وإسقاط نظامها السياسي والسعي لتقسيمها أو تقاسمها وانقسامها مجتمعياً إضافة إلى ضرب هويتها الوطنية وتمزيقها وعزلها أو فصلها عن عروبتها انطلاقاً من التشكيك في انتمائها القومي الراسخ تاريخياً في وعي الجماعة السياسة السورية.
وعلى خلفية تلك المصفوفة من الأهداف وجدنا أن القوى التي استهدفت سورية قد تعاملت وفق أولوياتها وجدول أعمالها فالعدو الإسرائيلي كان يهمه بالدرجة الأولى تدمير أو إضعاف الجيش العربي السوري والسعي لإخراجه من المعادلة الاستراتيجية في الصراع القائم في المنطقة لذلك لاحظنا منذ بداية الأحداث استهداف قواعد صواريخ الدفاع الجوي وبعض الوحدات العسكرية تلا ذلك تدمير المنشآت الاقتصادية من معامل ومصانع وخطوط نقل السكك الحديدية وسرقة المعامل والمصانع والاستيلاء على حقول النفط ومحاصيل القمح بالتشارك مع لصوص محليين وخارجيين وجدوا فيها فرصة للثراء الفاحش على حساب ملايين الفقراء والمفقرين إضافة إلى تدمير المشافي والمدارس والمرافق التعليمية بشكل ممنهج وترافق ذلك مع استهداف للمدن والأحياء السكنية حيث تشير الإحصاءات غير الرسمية إلى تدمير وتصدع ثلاثة ملايين مسكن وتهجير ونزوح ولجوء أكثر من نصف سكان سورية بفعل العنف والقتل والإرهاب إضافة إلى عشرات الآلاف من الشهداء والضحايا من عسكريين ومدنيين بحيث يمكن وصف ما جرى في سورية على أنه حرب إبادة للسوريين وسورية كدولة مستقلة ذات تاريخ مشرف وشعب عريق.
إن الفشل في تحقيق بعض الأهداف التي سعت إليها القوى الخارجية وتمكن الدولة السورية من الصمود في وجه تلك الحرب غير المسبوقة وانطلاقها من حالة الدفاع إلى الهجوم بهدف استعادة ما جرى الاستيلاء عليه من قوى خارجية أو سطت عليه قوى في الداخل مرتبطة معها والنجاحات الاستراتيجية التي تحققت في هذا المجال لم تثن القوى الخارجية عن الاستمرار في سعيها لتحقيق خطة أهداف منها السعي لتقسيم الدولة السورية بدعم أميركي واضح للقوى الانفصالية في الشمال الشرقي أو اقتطاع أجزاء من الجغرافية السورية كما هو حاصل في مناطق حلب وإدلب ولعل الأخطر من ذلك تلك الهستيريا التي تعزف على الأوتار الطائفية ومحاولة إضفاء صبغة طائفية على الصراع القائم أو تظهير النصر السوري على أنه انتصار لمكون على آخر أو جماعة سياسية على أخرى والانطلاق من تلك الأكذوبة والأزعومة إلى مهاجمة فكرة العروبة والانتماء القومي للشعب السوري والمماهاة بين مواقف بعض الحكام العرب وشعوبهم وهي المغلوبة على أمرها تاريخياً بحكم الاستبداد الجاثم على صدورها منذ عشرات أم لم نقل مئات السنين سواء الاستبداد السياسي أم الفكري أم الاجتماعي وغيره من أشكال اعتقال الحرية والعسف.
لقد شكلت الحرب على سورية اختباراً وطنياً وقومياً للجميع فظهرت المواقف على حقيقتها وسقطت أوراق التوت عن مدعي العروبة ورافعي شعارات تحرير فلسطين والقدس والمتلحفين بكوفية المقاومة حيث تبين أن بعض رافعي تلك الشعارات من مدعي العروبة أنهم شعوبيين حتى النخاع ومدعي الوطنية طائفيتهم المقيتة وتقوقعهم حول انتماءات غرائزية ضيقة استدعوها أو استدعتهم من كهوف التاريخ لتجلل سواد وجوههم ويهرب مدعو تحرير فلسطين والقدس إلى أيديولوجياتهم العفنة عند حلول لحظة الحقيقة .
لقد اكتشفنا متأخرا ومع الأسف حجم التضليل والخداع وإخفاء النوايا الذي وقعنا به ونحن من سخر إمكاناته وقدراته وطاقاته من أجل تحقيق أهداف نبيلة من وطن جميل إلى حلم إنجاز كيان قومي مرورا بتحرير فلسطين واستعادة ما اغتصب من أرض عربية ومع هذا كله علينا أن نقرأ الواقع قراءة المناضلين لا قراءة المستسلمين.
بقلم.. د. خلف المفتاح