ثمة من يسأل عن التحركات في منطقة الشرق الأوسط وكأنها صناعة اتفاق ان لم يكن على حل فعلى الأقل في ردم الهوة بين المفاهيم السائدة أو تقريب وجهات النظر .. فبعد أن أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد تطورت النظرة باتجاه سورية، فما هو قبل الانتخاب، صار مختلفا بعده، مما استدعى تحركا اوروبيا لايحصل عادة الا بقرار أميركي.
تحركت أوروبا نحو سورية، فكان أن التقت بثينة شعبان بوزيرة الخارجية الإيطالية في بيروت، أعقب ذلك سفرها إلى أوسلو حيث التقت وزيرة خارجية الوحدة الأوروبية كاترين آشتون .. وما جرى من مباحثات بين الطرفين يقال إن اجتماع بيروت مهد للقاء أوسلو، ونجاحه في العاصمة اللبنانية اعطاه زخما في اللقاء الثاني والهام. وبذلك دخلت الأزمة السورية في منعطف التفاهمات التي قد تطول دون ان يعني توقف العمليات العسكرية داخل سورية، تماما كما حصل في فيتنام، حين كانت لقاءات باريس بين الوفد الفيتنامي قائمة مع الأميركي واما المعارك معه فمتواصلة وبمنتهى العنف احيانا.
ورب ضارة نافعة كما يقال، فما ان ضربت ” داعش” ضربتها في العراق حتى جاءت الهبات من كل ناحية، استنفرت أوروبا، وقبلها أسرع الأميركي في الاستنفار، وقرأ الروس في الصورة الجديدة ما تفرضه عليهم البراجماتية في الأوقات الملحة، فتحرك وزير الخارجية الروسي باتجاه السعودية حاملا تصوره عما يعنيه التطور الجديد، وربما همس في اذن نظيره السعودي ان روسيا ترفض من حيث المبدأ كل العوامل التي أدت الى الحرب على سورية فكيف ان يحدث للعراق مايشبهه.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المنطقة، وهو الاستعجال الذي جاء بعد مدة ليست طويلة من زيارة لبنان والتي تمنى فيها على حزب الله وروسيا وإيران المساعدة في الحل السوري. اليوم يزور كيري المنطقة، لانعرف كم هو حجم التفاهم بين واشنطن وحكومات الدول التي سيزورها مايجري في العراق، ولنقل اكثر عن كثافة الحدث الذي بدأ يعمي العيون .. فالمنطقة برمتها تتعرض للمخاطر، وليس احد بمنأى عنها، بل لابد من النظر بموضوعية إلى احداث العراق على انها الخطر بعينه، اذا كان الموقف من رئيس وزرائه نوري المالكي سلبي فلا يعني ان تكون ” داعش ” هي البديل عنه، بل لايجوز أن تفهم الأمور بهذه السطحية او هذه الفجاجة كما يراها البعض.
البعض يرى أن الحدث العراقي قد يصعد بالأزمة الى السطح، ومن ثم إلى التوافقات عليها .. فليس هنالك سوى الخوف الجماعي من ان تكبر رقعة ” داعش ” ليصبح بعدها الحل بعيدا جدا مقابل خطر على الجميع .. من هنا قد تتقدم الأمور باتجاه ان نعطي لنأخذ، تتنازلون لنتنازل، تتقدمون لنتتقدم، لابد من موسم مصارحات يلعب فيها الأميركي الدور الدافع والمشجع والمقرر والمراقب القريب والبعيد، والكل راض بهذا الدور طالما ان مشاعر الخطر عند الجميع موجودة وقائمة. فهل يعني ذلك اقتراب الحل الشامل في سورية والعراق وفي تخفيض نسبة الخطر على لبنان، وهل تزول الغيمة السوداء من سماء المنطقة لتشرق شمس الحل الذي نراه بعيدا لكن لابد من ان يكون المعنى الأول للتفاهم قد وقع بالفعل.
رأي الوطن