يطرح اجتماع القيادة العسكرية لـ “تحالف أوباما” المقرر عقده اليوم الكثير من الأسئلة الملحة ليس فقط بشأن “تحالف” ولد “خديجاً”، بل أمام رأي عام عربي وعالمي يسأل يومياً: لماذا يتمدد “داعش” على الأرض مع كل طلعة طيران تستهدفه؟!، وكيف يستطيع القتال بفعالية وعلانية في “عين العرب” السورية و”الأنبار” العراقية في الآن ذاته؟!، خاصة وقد ثبت بالدليل “الشرعي” أن مأساة “عين العرب” مثلاً تتمّ برعاية قوات “أردوغان”، أحد أعضاء هذا التحالف المريب.
وإذا كانت السياسة الخارجية لدولة، أو حلف ما، هي نتاج مزيج من القوة والمصلحة، فإن سياسة “تحالف أوباما”، كما يبدو من نتائجها المحققة حتى الآن، تشي بأن قوة التحالف، التي لا ينكرها أحد، لا توظف جدياً في سبيل المصلحة المعلنة، وهي مواجهة الإرهاب على ما تقول أدبياته، بل توظف في سبيل المصلحة الحقيقية المضمرة لدول تعتمد الإرهاب سياسة رسمية لها.
بهذا الفهم يصبح تمدد “داعش” أمراً منطقياً، كما تصبح “الضربات” غير فاشلة بل ناجحة بالمطلق، لأن الهدف هو احتواء “داعش” وتوجيه إرهابه نحو صياغة الوضع الإقليمي والدولي لمصلحة تفرد واشنطن بقيادة العالم لقرن آخر، وهذا يقتضي بدوره سحب الأوراق الرابحة من يد القوى الصاعدة الجديدة، تمهيداً لإجلاس الجميع على طاولة “يالطا” المقبلة دون أوراق، أو بأوراق “مضروبة” وعديمة الفائدة، وفي هذا السياق، يمكن أن نقرأ “صورية” مؤتمر إعادة الإعمار الأخير في غزة، فالمؤتمر، بنوعية حضوره وصورية تبرعاتهم، ليس سوى محطة في طريق إنهاء دور المقاومة، بل وفكرتها، في حل القضية الفلسطينية، وهو أمر يبدو أن “بعض حماس” غير بعيد من الموافقة عنه بعد أن سلّموا أمرهم، ورأسهم، لعاصمتي “المقاومة”، أنقرة والدوحة!!..
وبالعودة إلى اجتماع اليوم فمن المهم الإشارة إلى المفارقات الغريبة التي يحفل بها، وهي مفارقات تطال الشكل والمضمون، ففي الشكل ستبدو صورة المجتمعين سوريالية بشكل ما، ففيما سيجلس على الطاولة قائد الجيش الأمريكي الأقوى في العالم، سيجلس بجانبه “نظيره” الخليجي الذي لا يستطيع “جيشه”، لولا الدعم الأمريكي، حماية مقراته العسكرية وليس عاصمة بلاده فقط، أما في المضمون فإن التسريبات المتواترة تتحدّث عن متابعة اجتماع اليوم مدى تنفيذ خطوات مخطط بناء “جيش سوري جديد” كي يقود الحرب ضد الدولة السورية، وهو مخطط يتفق عليه الجميع، رغم اختلاف دوافعهم الحقيقية في دعمه، ففيما تسعى واشنطن لاستخدام قوتها في سبيل مصالحها، لا يسعى العرب الجالسون في هذه القاعة سوى لفعل ما اعتادوه من إطاعة السيد الأمريكي حتى ولو ضد مصالح الأمة العليا.
بيد أن اللافت في الأمر أن فرنسا، التي تذوي قوتها يوماً إثر آخر، لم تعد ترى مصالحها سوى بعين المصالح المالية المباشرة لحكامها، وهو ما يوضح جانب منه كتاب “دروب دمشق”، الصادر حديثاً في باريس، والذي يكشف أن تقارير ميدانية، وواقعية، عن الأحداث في سورية، قدّمها المعنيون والموجودون فعلياً على الأرض من دبلوماسيي الدولة الفرنسية ورجال مخابراتها، ألقيت في سلة المهملات الرئاسية لساركوزي وهولاند، لأن المال الخليجي كان، وما زال، يقودهم لا مصلحة فرنسا العليا.
ما سبق يعيد التأكيد على أهمية أن تكون المواجهة على مستويين، الأول خارجي، وهو مهمة المحور المقابل، لأنه مستهدف بكل أطرافه، فلا نجاة فردية لأحد، والثاني داخلي، والاثنان يحتاجان لابتداع توليفة عبقرية بين القوة والمصلحة، الأمر الذي يعني، في الشق الداخلي، أولوية تمتين جدران القلعة السورية، والثاني تكريس الحوار الداخلي المعمّّق كنقطة دعم متقدمة لتوجيه قوتنا الجمعية لخدمة مصلحتنا العليا، وهي اليوم-وبعيداً عن كل الأطماع الفردية أو الفئوية- الحفاظ على سورية واحدة موحّدة مستقلة، ثمّ.. لكل مقام مقال.
بقلم: أحمد حسن