ريف دمشق-عربين-سانا
عاقدا يديه خلف ظهره بنصف انحناءة يتقدم رجل ستيني متجاوزا المدخل الرئيسي لما بقي من هيكل بناء .. يستدير إلى اليمين ليجد نفسه أمام مكتب مدير الناحية دون أن يقرع بابا غير موجود يتلو شكوى يصغي إليه ضابط من خلف طاولة بسيطة حتى ينتهي الشاكي سرد قصته قبل أن يحيله إلى مكتب مجاور “سجل هالحكي عند الشباب” مشيرا إلى غرفة مجاورة.
هذه من مئات الشكاوى يؤكد مدير ناحية مدينة عربين الرائد غياث مرعي لمراسلة سانا غداة خروج آخر حافلة للإرهابيين من المنطقة نهاية آذار الماضي باتجاه إدلب شمال البلاد في إطار تسوية شملت حي جوبر الدمشقي وعربين وزملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية.
بنوافذ مدشمة ومكاتب دون أبواب ومبنى آيل للسقوط يواصل عناصر شرطة ناحية عربين عملهم باستقبال شكاوي قاطني البلدة ويمارسون كامل مسؤولياتهم يوميا على مدار الساعة بحماس ورغبة شديدة .. المبنى المطل على ساحة المحطة وسط المدينة.. يتكون من طابقين مهشم في جنباته الطابق الثاني اطبق في قسم منه على الطابق الأول في وضعية انزلاق متوقفة ثبت العلم على الجزء الشرقي منه وبرزت عبارة ناحية عربين على مدخل البناء.
بثقة قابل اهالي عربين عودة الناحية إلى مدينتهم وبادروا لمساعدتنا في “انعاش الناحية” من إزالة الركام وتنظيف ثلاث غرف مكتب مدير الناحية وغرف العناصر.. القلم والمهجع واستقبال المواطنين ورفع الأثاث من القبو.
يقول الرائد مدير الناحية ” كانوا مبسوطين فينا.. أحدهم قال أولادي ثلاثة شباب تحت تصرفكم في أي مساعدة”.
في التاسع عشر من آب 2012 حول الارهابيون مبنى ناحية عربين الذي شيد قبل نحو قرن بطراز معماري جميل إلى مقر لهم بعد هجوم متكرر على المبنى أدى إلى استشهاد وإصابة العديد من عناصر الشرطة يقول مدير الناحية “تم تخريب المبنى كما باقي مؤسسات الدولة” وضعه كان “مأساويا”.
ويضيف الرائد ليس من بناء بديل “مخفر الشرطة غير قابل للاصلاح لا يوجد أبنية للدولة لنقل عملنا اليها.. سنحييه مرة ثانية”.
في غرفة مدير الناحية تتموضع طاولة مكتب بسيطة امام جدار متصدع مع ضياع جزئي في القسم العلوي منه تاركا فراغا أفقيا على امتداده بعرض نحو 25 سم مع تهدل كتل اسمنتية صغيرة الحجم في زاوية جدار آخر مع فتحة تترك لضوء النهار حرية الدخول.
في الجدار الأمامي نافذة عارية من زجاجها وقضبانها الحديدية غطيت بسجادة استعمل ذات التدبير مع النافذة الاخرى في الجدار الثالث .. على يسار ويمين المكتب سريران حديديان غطيا ببطانتين رماديتين وأمامه ثلاثة كراسي جلدية قديمة وطربيزة خشبية موزاييك تلاشى بريقها .. يعلق الرائد على سؤاله فيما اذا كان يخاف من تصدع البناء يضحك وهو يشير إلى الكتل الاسمنتية المتارجحة في الجدار وراءه “أخشى أن تسقط إحداها فوقي” يضيف “المبنى قديم وقوي .. لحسن الحظ صادف الانتقال إلى هنا فصل الربيع الجو لطيف”.
وبهدف توفير الأمن للمواطنين الذين بدؤوا بالعودة إلى بلدات الغوطة الشرقية المحررة من الإرهاب عمدت وزارة الداخلية على الفور لإعادة الوحدات الشرطية لعملها منذ اليوم الأول لتحرير هذه البلدات من مدن وبلدات حرستا وعربين وزملكا وكفربطنا وعين ترما وجسرين وبيت نايم والنشابية.
يتحدث مدير ناحية عربين الذي شغل هذا المنصب قبل خمس سنوات دون تذمر أو تأفف من واقع الحال ويفسر ذلك قائلا “خلال السنوات الماضية نقل مقر الناحية من عربين إلى مدينة التل ثم ضاحية الأسد وجاهزون للعمل في المقر الأساسي رغم كل الظروف”.
خلال الخمسة أيام الماضية سجلت شكاوي بالمئات غلبت عليها السرقات وفق مدير الناحية “جاهزون لاستقبال اي شكوى وفي اي وقت” والعمل على حلها فورا ضاربا مثال على ذلك بحل مشكلة “وديا بين اثنين من الأهالي بناء على شكوى عن سرقة أبقار”.
يتولى عناصر الناحية تلقي الشكاوي وتنظيم ضبوط وتسيير دوريات وحرس وحواجز على مدار الساعة يقول الشرطي حيدر “تكفينا طاولة وكرسي لنرجع إلى خدمتنا سبعة أيام عمل بالأسبوع”.
ينهمك الشرطي محمد تكريتي بكسر البيض وخفقه في صحن كبير يقول وابتسامته لا تفارق وجهه “نحضر وجباتنا.. بيض ومرتديلا أكلة ظريفة.. نعمة” ناقلا الحديث لزميله الشرطي جبر العوش الذي انكب فوق طنجرة على غاز صغير يقلب قطع المرتديلا قبل اضافة البيض نطبخ “جظ مظ بطاطا عبيض”.
وعن الروح الايجابية التي تطبع تعاطيهم مع المكان يقول جبر “علينا شرطة وجيش ومدنيين تجاوز السنوات الماضية ونرجع نتحلى بالتفاؤل للعودة إلى حياتنا الطبيعية”.
شهيدي عجيب