نحو تحالف يتحمّل أعباء المرحلة

حقاً، يحتاج القضاء على تنظيم داعش الإرهابي لثلاث سنوات -على الأقل- طالما وجدت أمريكا في هذه الحرب فرصة للاستثمار فيها لتشغيل جيوشها وأساطيلها المرابطة حول العالم وشركات أسلحتها لاستنزاف المنطقة ونسف البنى التحتية التي عجزت التنظيمات الإرهابية عن تدميرها، بمعنى أن الولايات المتحدة تحاول من خلال ما يجري “ضرب عصفورين بحجر واحد”،تأمين مصدر مهم لخزينتها من جهة، وحرف بوصلة الصراع من عربي إسرائيلي إلى عربي عربي، بل بين أبناء الوطن الواحد.

وبالتالي فإن المشهد اتضح تماماً وتأكد لكل ذي عقل وبصيرة بأن ما جرى لأعوام ثلاثة خلت من عبث بأمن المنطقة لم يكن محض صدفة أو خلاصة لربيع عربي زائف، وإنما وفق مخطط مدروس وخطة محبوكة بدقة متناهية في الغرف السوداء في واشنطن وتل أبيب لتدمير الدول العربية وإضعاف جيوشها وشرذمة أبنائها شعوباً وقبائل متناحرة فيما بينها.

من هنا يُخطئ من يعتقد أن الحرب التي بدأها ما يُسمى التحالف الدولي لضرب داعش في سورية والعراق قبل نحو أسبوعين قد وضع في حساباته استراتيجية للقضاء عليه خلال فترة زمنية محددة، أو أنه لا يفكر باستقدام قوات برية للمشاركة في الحرب، والأخطر من ذلك فإن إطالة أمد الحرب سيجعل الإرهاب يتمدد ليصل إلى الدول المشاركة – رمزياً- في التحالف، وخاصة دول الخليج، وبوادر ذلك بدأت بالظهور فصفحات التكفيريين على مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالتهديدات بأنها ستنقل الحرب إلى أرض الدول المشاركة في التحالف الدولي، كما أن تصريحات أوباما وكاميرون وتضخيمهم لقدرات داعش وتأكيداتهم أنه لا يمكن القضاء على التنظيم الإرهابي من الجو يعني قرب عودة جيوشهم إلى أرض العرب.

إن ما تُخطط له أمريكا وحلفاؤها خطير جداً ولا يستهدف الدول التي تضربها الفوضى وعدم الاستقرار الآن وحسب، وإنما كل الدول الساعية إلى إعادة التوازن للقرار الدولي وإنهاء عصر الهيمنة الأمريكية، وهذا تجلّى في افتعال أزمة في أوكرانيا لزعزعة الأمن القومي لروسيا، وبدأت المظاهرات في هونغ كونغ للضغط على الصين وإشغالها في مشاكل ثانوية، واستحدثوا تنظيم خراسان الإرهابي لتهديد إيران.

وهذا يحتّم على جميع الدول المستهدفة اتخاذ خطوات متقدمة لوقف العبث الغربي بأمن العالم، فعبارات التنديد والشجب والإدانة لم تعد تكفي ويجب العمل على إقامة تحالف يتحمل أعباء المرحلة المثقلة بالتحديات، يأتي في مقدمتها وضع استراتيجية واضحة للتعاون في مكافحة الإرهاب وفق المواثيق والشرعية الدولية، وغير ذلك فإن الفوضى ستعم مناطق بعيدة، وهذا ما تريده أمريكا من مجمل ما يجري.

بقلم: عماد سالم