غرب أطلسي بلا قادة تاريخيين!..بقلم: مهدي دخل الله

ماذا يعني أن يفتقد الغرب الأطلسي قادة تاريخيين قادرين على اتخاذ قرارات تحدث تغييراً في مجرى الأحداث؟ وهل هذا التخبط في السياسات والتصريحات نتاج فقدان «رجال دولة» على مستوى دول قوية في الغرب؟

أوباما.. كاميرون.. أولاند، أي حديث لأي منهم يتناقض في بعض طروحاته الهامة مع ما سبقه، ولا شك في أنه سيتناقض مع ما يلحقه، ارتباك وتخبط يفقد بسببه آلاف الناس أرواحهم في منطقتنا ويهدد «الأمن العام» للشعوب في جميع أنحاء العالم..

هل هي عدم قدرة على رؤية الحقائق والتعامل معها على أساس أنها حقائق؟ هل هروب رؤساء أعظم قوى الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى الخيال والوهم يريحهم من اتخاذ قرارات لا يوجد لديهم استعداد نفسي وشخصي لاتخاذها؟. تصوروا اليوم لو أن في واشنطن رئيساً بحجم روزفلت، وفي لندن بحجم تشرشل، وفي باريس بحجم ديغول، هل كان يمكن لعصابات من المرتزقة أن تهدد أمن العالم باعتراف قرار مجلس الأمن (2170)؟..

عصر القادة يفتقده الغرب الأطلسي، وهذا واحد من أهم أسس المشكلة. لا يستطيع أوباما أو أولاند أو كاميرون وضع النقاط على الحروف بواقعية لطالما افتخرت بها الثقافة الأوروبية الاعتراف بالحقائق أمر صعب في السياسة، وهو بحاجة إلى هامات قيادية بينما تحكم الغرب شخصيات ضعيفة تتخبط في قراراتها بشكل يجعل واضعي أسس علم السياسة كروسو وميكيافيللي وديوي يشدون شعرهم في قبورهم.

لو أن تشرشل اليوم موجود في الدواننغ ستريت رقم عشرة لاعترف بأن هناك دولة متماسكة وقوية في محاربة الإرهاب ولا بد من التعاون معها بشكل كامل وصريح. ألم يفعل ذلك عندما تحالف مع الاتحاد السوفييتي في وجه هتلر باعتباره الخطر الأول على «السلام والأمن الدوليين» اللذين يتشدق بهما الغرب باستمرار؟.. كذلك كان سيفعل ساكن الأليزيه ديغول، وخصوصاً أكبرهم ساكن البيت الأبيض روزفلت. وهذا الأخير كان أعظمهم فأعطاه الشعب الأمريكي الولاية أربع مرات معدلاً بذلك الدستور الأمريكي من أجله (وقد توفي في بداية ولايته الرابعة).

اخترق روزفلت حائط الوهم معترفاً بالحقيقة ثلاث مرات: الأولى عندما تبنى برنامج (نيوديل) وهو سياسات اقتصادية تعزز تدخل الدولة في الاقتصاد بشكل قريب من مذهب الاشتراكية – الديمقراطية في أوروبا.

والثانية عندما أنهى العمل بمبدأ مونرو الانعزالي وأدخل بلاده في الحرب ضد النازية، والثالثة عندما حالف الاتحاد السوفييتي في تلك الحرب..

دعونا من «الجبرية الموضوعية» التي تنفي تباين الشخصيات. فاليوم عندما نتحدث عن أكثر من خمسين رئيساً أمريكياً نعرف خمسة أو ستة منهم فقط كانوا قادة تاريخيين وبين عشرات الرؤساء في فرنسا الجميع يعرف نابليون الأول والثالث وديغول فقط.. إنه منطق الحياة ومنطق السياسة.

صحيفة تشرين