حلب-سانا
في مثل هذا اليوم عادت حلب مكللة بالغار تزينها ابتسامات أطفالها الذين عانوا العدوان والإرهاب.. عام على بدء عودة الحياة الآمنة إلى شوارع المدينة وأزقتها وقلعتها تاج الشهباء المنتصرة.. عاد المغزل يشاغب على خيطان سجادها العريق ودارت عجلات معاملها وفتحت أبواب مدراسها وأسواقها لتؤكد أن أهل حلب مهرة في جدل ضفائر الشمس لتنير حياتهم أملا وتملؤها عطاء وحياة.
مدينة حلب اسدلت الستار على مشروع تقسيم سورية وحفرت بفوهات بنادق الجيش العربي السوري ملحمة الانتصار الذي شكل تحولا استراتيجيا ومنعطفا مهما في الحرب على الارهاب وضربة قاصمة للمشروع الارهابي وداعميه بل أسس لمرحلة جديدة توالت فيها انكسارات وهزائم الارهابيين على جميع أراضي الجمهورية العربية السورية.
انتصار كرسه وحماه صبر أهلها ودماء الآلاف من أبنائها الذين ارتقوا بقذائف وإجرام الإرهاب التكفيري الظلامي.. انتصار عزفته أصابع عشاق الحياة فيها من عمال وحرفيين ومواطنين صبروا فأعادوا الحياة إلى شوارع مدينتهم فور إعلان الانتصار وطي صفحة الإرهاب فيها.
بعد فترة وجيزة من توقف اصوات الرصاص تعالت أصوات الآلات في المعامل والورشات وما هي إلا أشهر قليلة حتى عادت مئات المنشآت الى الانتاج في مدينة الشيخ نجار الصناعية التي تبعد 15 كم عن مركز المدينة وتعد اكبر تجمع صناعي في المنطقة ممتدة على مساحة 4412 هكتارا.
ورغم الاضرار الكبيرة التي خلفها الارهاب في المدينة الصناعية من سرقة خطوط الانتاج وتدمير المنشات الصناعية وتخريب البنى التحتية والمرافق الخدمية وسواها لم تؤثر على عزيمة الصناعي الحلبي الذي كان على الدوام مثابرا ومتسلحا بالعزيمة والاصرار على العمل والانتاج مهما كانت الظروف ومهما عظمت التحديات وعليه عمل هؤلاء يدا بيد وجنبا الى جنب مع ادارة المدينة الصناعية بموجب خطط قصيرة الامد وأخرى طويلة الامد وعبر خطط استثمارية واسعافية لاعادة اعمارها بعد تطهيرها من الارهاب لتوفير الحد الادنى من الشروط المطلوبة لمعاودة العمل والإنتاج.
وفي تكامل يدل على تخطيط وإدارة تعكس تصميم الجهات المعنية في حلب بدأت القطاعات الخدمية والاقتصادية المختلفة تستعيد عافيتها رغم الأضرار الكبيرة الناتجة عن الاعتداءات الارهابية الممنهجة لتدمير البنى التحتية ومصادر الانتاج للضغط على الدولة السورية والمواطنين الصامدين في وجه الارهاب وداعميه.
قطاع الاتصالات الذي يعد الشريان الحيوي المهم في الحياة اليومية ورغم تعرضه لأضرار فادحة كان بكوادره يتحرك بالسرعة القصوى مع كل انجاز حققه الجيش العربي السوري على الارض وتطهيره لمناطق جديدة في الريف واحياء المدينة من الإرهاب والإرهابيين حيث كانت ورشات الاتصالات تستنفر بشكل عاجل لمعاينة الأضرار ومحاولة اعادة خدمات الاتصالات والإنترنت إلى تلك المناطق ورغم حجم التحديات الكبير بذلت كوادر اتصالات حلب جهودا مضاعفة للحفاظ على جاهزية المقاسم الهاتفية ومكونات شبكة الاتصالات وعملوا على ايجاد حلول فنية وتقنية للتغلب على الصعوبات الطارئة.
ونظرا لأهميته في المساعدة بعودة الحياة الطبيعية كان لقطاع النقل نصيب كبير من الاهتمام ما ساهم في الإسراع بعودة شركات النقل إلى تقديم الخدمات للمواطنين وتوظيف إمكاناتها الحالية رغم تضرر أسطول الحافلات لديها من الاعتداءات الإرهابية.
الخسائر الكبيرة التي طالت الرحبتين الرئيسيتين لشركة النقل العام في الليرمون وعين التل وتدمير الارهابيين الباصات وسرقة محتويات الرحبتين الى جانب الأضرار التي لحقت بالمباني والمنشآت ومحتوياتها كافة لم تقف عائقا امام عزيمة العمال وإصرارهم على التغلب عليها لتوفير خدمات النقل الداخلي للمواطنين ووفق تعرفة اقتصادية واجتماعية تراعي ظروفهم حيث عملت إدارة الشركة على وضع خطة عمل لضمان حسن استثمار الإمكانيات البشرية والفنية وتوظيفها بالشكل الأفضل لتحقيق النتائج المرجوة.
ولإعادة ربط المحافظة بمحيطها الطبيعي على امتداد الجغرافيا السورية توازيا مع انتصارات الجيش العربي السوري في مختلف المناطق وتأمين الطرق الرئيسة إعادت محافظة حلب محطة انطلاق الراموسة في حلب للعمل في بداية تموز الماضي بعد خمس سنوات من خروجها من الخدمة بسبب اعتداءات التنظيمات الإرهابية وذلك بعد تأهيلها وتوفير الخدمات اللازمة فيها.
ومع رنة الجرس الأولى في مدارس مدينة حلب وريفها الذي طهره الجيش من الارهاب تبددت ظلامية إرهاب تكفيري حاول إطفاء نور المعرفة وحرمان مئات الآلاف من أطفال المحافظة من التعليم .. ولأن الأطفال هم أمل الغد المشرق كان اول عمل لمديرية تربية حلب اعادة افتتاح المدارس بالمدينة والريف عبر خطة شاملة لصيانة المدارس المتضررة بفعل جرائم المجموعات الارهابية واعادة تأهيلها وتزويدها بمستلزمات العملية التعليمية والكوادر التدريسية لإعادة التلاميذ والطلاب المنقطعين الى صفوف الدراسة حيث تمت صيانة وتجهيز وافتتاح 70 مدرسة في الأحياء المطهرة من رجس الإرهاب وكانت أول مدرسة تفتتح في حي مساكن هنانو هي مدرسة أبي خليل القباني.
وتركت عودة الطلاب الى المدارس مجددا لاستكمال تعليمهم بعد سنوات من التوقف بفعل الإرهاب ارتياحا كبيرا لدى الأهالي ما شجعهم على العودة إلى الريف والأحياء الشرقية بعد اجتثاث الإرهاب منها.
ولأن حلب مقصد سياحي لعراقتها فقد شكلت جوامعها وكنائسها وحارات مدينتها القديمة الضيقة لؤلؤة في جيد الشرق الذي نشر ضياء حضارته عبر قرون خلت ولأنها كذلك صب الإرهاب جام حقده وعاث تدميرا وتخريبا وسرقة في الجامع الأموي أو جامع حلب الكبير المدرج على قائمة مواقع التراث العالمي ومدينة حلب القديمة التي تمتد على مساحة 355 هكتارا منها 14 هكتارا وصولا إلى قلعة حلب الأثرية ومتحفها.
فقبل عام من الآن لم يكن في المتخيل التفكير بالسياحة أو إعادة الألق لهذا القطاع في ظل الجرائم الارهابية التي ارتكبتها التنظيمات الارهابية بحق أهالي المدينة بشكل شبه يومي لكن بثقة السوريين بجيشهم في تحقيق النصر النهائي على الارهاب وإعادة البلاد كما كانت آمنة مستقرة نهضت الفعاليات السياحية في مدينة حلب من بين ركام الدمار الذي خلفه الارهاب وعادت المنشآت الخدمية من مطاعم ومقاه وفنادق للعمل من جديد وكان استقبال المواطنين حتى ساعات متأخرة من الليل يوميا أحد مؤشرات عودة الحياة الى طبيعتها في المدينة وشكلت المنشآت السياحية حول قلعة حلب الشامخة ابرز مثال للعودة من جديد للعمل من خلال إصرار أصحابها على إعادة ترميمها ووضعها في الخدمة بشكل تدريجي مشكلة متنفسا لأهالي حلب ورافدا للسياحة والسياح.
حلب التي نهضت من بين الركام وبددت ديجور التكفير والارهاب بدأت منذ إعلان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة قبل عام حلب مدينة خالية من الإرهاب والإرهابيين مرحلة جديدة من تاريخها الحديث استهلته بتكريس قوة إرادة الحياة وإعمار ما دمره الارهاب على مدار 3 سنوات.
الانتصار في حلب على الإرهاب وعودة الحياة إلى مختلف أرجائها خلال عام من التحرير شكل انتصارا للحياة ضد ثقافة الموت التي حاول الإرهاب وداعموه تكريسها ودق أول مسمار في نعش التنظيمات الإرهابية على امتداد مساحة الوطن.