يبدو أن الغرب يعرف ماذا يريد، وما المطلوب من المخطّطات التي رسمها للمنطقة، وحدّد فيها التقسيمات وجعلها حقيقةً واقعةً على الأرض.. وليس صحيحاً القول أو الحديث عن أن الغرب مرتبك في تهيئة أو تشكيل التحالف المطلوب لمواجهة ما يسمى تنظيم «داعش» الإرهابي، وبخاصة أن الكونغرس الأمريكي أعطى اللامانع، وأكده بتسليح ما سمّاها «المعارضة المعتدلة..!!!»، في سورية، وهوالأمر المبيّت منذ زمن، ضمن الآلية التي قدم بها نفسه داعماً لهذا الفصيل الإرهابي الذي ابتدعه، وصار اليوم يتباكى على مايرتكبه ـ هذا الفصيل نفسه ـ من إرهاب واضح وظاهر للعيان، على نحوٍ أحرج مَنْ صنعه، ووضعه في الخدمة، تلبيةً لأهداف الصهيونية في المنطقة.. و صار التساؤل الأهّم هو: هل يكون الإرهاب «الداعشي» حصان الغرب في المنطقة، وبخاصة أمام ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن رئيس الاستخبارات العسكرية «أمان» من أن احتمال تهديد تنظيم «داعش» لـ«إسرائيل» ضعيف، وهو لا يشكل تهديداً حقيقياً لها، ما يوضّح أن الدول الغربية التي أنشأت هذا التنظيم، ورعته وموّلته، في ظل دعم الدول الخليجية ودول المحيط الاقليمية، تعرف هدفه الذي أنشئ من أجله، وتعرف ماذا تريد منه، ما يشكل إجابةً واضحةً، بأن «داعش» قد يكون أو، بالأحرى، هو «حصان» الغرب إلى هذه المنطقة.
الاستذكار يفيد، ففي الشهر الماضي تبنى مجلس الأمن برئاسة بريطانيا مشروع قرار قدمته بريطانيا نفسها لمواجهة «داعش» ووافق عليه المجتمعون بالإجماع، والكل يعرف أهداف بريطانيا، واستخباراتها التي رسمت حدود «داعش» بالتعاون مع تركيا، ولن يغرّنا ما قاله سفير بريطانيا بعد التصويت من أن القرار يبعث رسالةً قوية بضرورة وقوف المجتمع الدولي صفاً واحداً ضد «داعش».. وأنه لا حصانة لأولئك الذين يدعمون «داعش».. ولو كان كلامه صحيحاً، وبالتأكيد هو ليس كذلك، لما جرى التنسيق العالي المستوى مع أكبر دولة صدّرت الإرهاب والمرتزقة وهي السعودية، وغيرها من دول المنطقة والجوار والمحيط الإقليمي، وهم الداعمون الحقيقيون لذلك التنظيم قبل المصنّعين له.
في جلسة مجلس الأمن، أول من أمس، كانت أمريكا ترأس المجلس عبر جون كيري وزير خارجيتها، ولم تخفِ أمريكا الهدف من تنظيم حملة عالمية ـ كما تقول ـ لمواجهة إرهاب «داعش»، إذ إن لسان حالها يقول: علينا ألا نضيّع هذه اللحظة من أيدينا.. وربما تختصر هذه العبارة، وتؤكد رغبة أمريكا وحلفائها في اغتنام اللحظة المبيّتة التي لم تستطع كلّ هذه الدول المصنّعة والراعية والداعمة لمؤامرة الإرهاب الحصول عليها خلال السنوات الماضية، لابما يسمى «الربيع العربي» المبتدع، ولا بكذبة «الكيميائي» المصطنعة ولا بالديمقراطية التقسيمية.
تُرى هل تشبه «الحملة العالمية» ضد ما يسمى «داعش» الحملة العالمية التي وافق مجلس الأمن عليها بالإجماع قبل يوم واحد من جلسته الأخيرة ضد تفشي فيروس «إيبولا» الذي يشكّل ـ حسب قولهم ـ خطراً على الأمن والسلم الدوليين، مع دعوة كل الدول لتقديم الموارد والمساعدات لمعالجة هذا الوباء..؟ أم إن تهديد السلم والأمن الدوليين الذي يشكله ما يسمى تنظيم «داعش» هو مع وقف التنفيذ بالنسبة لمصنّعيه بدلالة عدم تشكيله خطراً حقيقياً على «اسرائيل»، مع التأكيد هنا أن الغول إذا كبر فإنه يبتلع صاحبه.
باختصار: إن مواجهة أصحاب النيّات المبيّتة لما يسمى تنظيم «داعش» لا تتمّ إلا بالتنسيق والتعاون مع الدول المعنية، ومنها سورية، وإلا فهي ادّعاء أجوف وغطاء لعدوان مبيت على سورية، واستغلال للحظة بعدم جعلها تفلت من الأيدي، على حدّ قول جون كيري !!
بقلم: رغداء مارديني