إن تخلي منظمة الأمم المتحدة عن القيام بأدوارها هو أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى حالة الفوضى والإرهاب والقتل والدمار ضد شعوب العالم لا سيما شعوب منطقتنا، وإلى اختلال موازين الاستقرار والأمن والسلم الدولي، بل إن هذا التخلي طالت نتائجه الكارثية المنظمة الدولية نفسها فتحولت إلى مجرد ديكور، وصار مسؤولوها عبارة عن موظفين لدى بعض القوى المتحكمة فيها، فأطاحت بسمعتها وهيبتها، وفقدت مكانتها لدى الشعوب المظلومة والمقهورة، خاصة بعد أن تعرضت للخطف من قبل أعضاء دائمين في مجلس أمنها، ومحاولتهم تحويلها إلى مجرد هيئة تشريعية تابعة لهم لا وظيفة لها سوى شرعنة مشاريعهم ومغامراتهم ونزواتهم وحماقاتهم المخالفة لشريعتها وقانونها، أو تعطيل دورها في أضيق الظروف.
والمؤسف أن منظمات الأمم المتحدة وفي ظل ما تشهده منطقتنا من إرهاب صهيو ـ غربي ضد شعوبها كافة أضحت جزءًا من حماة الإرهاب والمدافعين عنه، وقد بدا ذلك واضحًا من خلال عنصر الانتقائية في صياغة التقارير الخاصة بحقوق الإنسان والجرائم المرتكبة بحق شعوب المنطقة من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل المجاميع الإرهابية التي تدعمها القوى الغربية ماليًّا وتسليحيًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، فدائمًا ما تأتي تقارير هذه المنظمة الدولية المعنية بتحقيق الأمن والسلم الدوليين ومناصرة الشعوب المقهورة والمحتلة، إما مساوية بين الجلاد والضحية، كما هو حال المساواة بين الجلاد كيان الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية الجبارة والمدمرة للبشر والحجر والشجر وبين الضحية الفلسطينيين المقاومين للظلم والعدوان والدمار الإسرائيلي بحجارة أو بأسلحة متواضعة جدًّا، وإما أن تأتي مجانبة للصواب ومسيسة حتى النخاع، كما هو حال التقارير الحقوقية فيما يخص الأزمة السورية بالإصرار على اتهام الحكومة السورية والجيش العربي السوري بارتكاب ما تسميه المنظمة انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، ومتجاهلة تمامًا جرائم الحرب الحقيقية للمجاميع والتشكيلات الإرهابية المدعومة من قبل أعضاء في مجلس أمنها.
ومع ذلك ورغم هذا الكساح الأممي، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمس بمنع مقرر الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية لحقوق الإنسان مكاريم ويبيسنو من الوصول إلى الضفة الغربية والقدس المحتلتين، للقيام بمهمته الأمر الذي يعد ـ وكما أكد المسؤولون الفلسطينيون ـ دليل إدانة واضحًا لانتهاك كيان الاحتلال الإسرائيلي لمبادئ القانون الدولي الذي وضع لحماية الإنسان والحفاظ على حقوقه، ويمثل إهانة له ولشخصيته الاعتبارية، إلا أن كيان الاحتلال الإسرائيلي تخشى حدوث حالة صحيان ضمير ويقوم هذا المبعوث بواجبه بحيادية ونزاهة فيفضح ممارساتها وجرائمها.
إن هذه الوقاحة الإسرائيلية ليست وليدة اللحظة كما أنها لن تكون الأخيرة، فمن وضعته سياسة الهيمنة والتفرد والبلطجة السائدة، والتي تقود العالم، فوق القانون الدولي وفوق الشرعية الدولية، طبيعي أن تصدر منه مثل هذه المواقف غير المحترمة، لأنه بكل بساطة يستمد بلطجته وعدم احترامه وتقديره من قدوته ورعاته وداعميه وحلفائه الاستراتيجيين، والمتواطئين الإقليميين، وبالتالي لسان حال البلطجية الإسرائيليين يقول بأن المطلوب من الموفد الأممي أن يتبنى وينتهج العقلية الفاسدة السائدة ذاتها ويسير في طريق سياسة تجيير المنظمة الدولية وتحويلها إلى منصة لقصف الضحايا والمظلومين والمعتدى عليهم، وليس قصف الجلادين والمعتدين وعدم صياغة التقارير صياغة موضوعية وصادقة.
ولذلك فإن القناعة الثابتة هي أنه ما دام حال الأمم المتحدة هكذا فإن حال الشعوب المظلومة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، سيظل ينتقل من سيئ إلى أسوأ.
وللأسف فإنه مع استمرار هيمنة قوى الظلم والطغيان على مقدرات ومصائر العالم لن يتغير هذا الحال.
رأي الوطن