في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا.. الجرح الفلسطيني ما زال نازفا والعدو مستمر بجرائمه

دمشق-سانا

يحمل شهر أيلول في الذاكرة الفلسطينية العديد من المحطات السوداوية القاتمة حيث تحفل أيامه بذكرى مجازر وجرائم ارتكبها العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وسط صمت وتواطؤ دوليين مريبين وغياب أي محاسبة لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم والانتهاكات بحق الإنسانية وانتهاك القانون الدولي حيث تشكل
مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من أقسى المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين منذ نكبتهم الأولى عام 1948.

ويجمع الفلسطينيون على أن تلك المجزرة التي تكنى باسم المخيم في لبنان الذي كان يلتجئ إليه مواطنون فلسطينيون سلميون تعرضوا للتهجير والترحيل من ديارهم وأراضيهم الأصلية قبل أكثر من أربعة عقود نفذت بطريقة بشعة وبأياد عميلة في لبنان وارتكبت فيها جرائم يندى لها جبين البشرية.

وفي قراءة لتفاصيل تلك المجزرة التي نفذت في السادس عشر من أيلول عام 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام حتى الثامن عشر منه تشير شهادات الناجين وتقارير المنظمات الحقوقية التي وثقت الجريمة إلى أنه ومع ليل السادس عشر من أيلول استباحت مجموعات من ميليشيا “القوات اللبنانية” وما يسمى “جيش لبنان الجنوبي” العميل مخيم شاتيلا وحي صبرا المجاور وبدأت بقتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين المقيمين فيهما.

ومهما تضاربت المعلومات عن حقيقة ما جرى صبيحة ذلك اليوم وفي اليومين التاليين فإنه من الموءكد أن هذه المجزرة لم تكن وفق ما زعمت المجموعات المشاركة ردة فعل على اغتيال بشير الجميل قائد القوات اللبنانية والذي انتخب رئيسا للبنان بل كانت جزءا من خطة مدبرة أعدها باحكام وزير حرب العدو الإسرائيلي آنذاك سيىء الصيت ارئيل شارون ورفائيل ايتان رئيس أركان قوات الاحتلال وجهات أخرى في طليعتها الميليشيا اللبنانية التي كان يتزعمها سمير جعجع.

وتؤكد المعطيات والشهادات أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بإلقاء القنابل المضيئة فوق مسرح الجريمة بينما بدأ أفراد ميلشيا “القوات اللبنانية” ومن معهم يطبقون على سكان المخيم ويقتلون المئات منهم بأساليب وجرائم مروعة حيث أطلقوا النار على كل من يتحرك في الأزقة وأجهزوا على عائلات بكاملها كما قتل الكثير في أسرتهم وهم نيام وقد وجد فيما بعد في شقق عديدة أطفال لم يتجاوزوا الثالثة والرابعة من عمرهم وهم في ثياب النوم وأغطيتهم مصبوغة بدمائهم.

وتذكر الشهادات أنه وفي حالات كثيرة كان المهاجمون يقطعون أعضاء ضحاياهم قبل القضاء عليهم بينما جرت عمليات اغتصاب لنساء قبل قتلهن وفي بعض الحالات سحب الرجال من منازلهم وأعدموا في الشارع بواسطة البلطات والسكاكين حيث كان المدنيون من أطفال ونساء وشيوخ هم المستهدفون بينما أحكمت قوات الاحتلال الإسرائيلي اغلاق كل مداخل المخيم وكان جنود الاحتلال يهددون الفارين من الرجال والنساء والأطفال بإطلاق النار عليهم في الحال لإجبارهم على العودة ومواجهة مصيرهم.

ومع صبيحة الثامن عشر من أيلول استفاق العالم على هول مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية راح ضحيتها ما بين 3500 و5000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين العزل من السلاح.

وفي محاولة للتنصل من دورها في هذه المجزرة المروعة أصدرت حكومة الاحتلال قرارا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة برئاسة إسحاق كاهن وأعلنت في السابع من شباط عام 1983 نتائج بحثها لتقرر أن وزير الحرب الإسرائيلي أرئيل شارون يتحمل ما سمته “مسؤولية غير مباشرة” عن المذبحة بـ “تجاهله إمكانية وقوعها وعدم سعيه للحيلولة دونها” بينما وجهت “انتقادات” لرئيس الوزراء في حينه مناحيم بيغن ووزير خارجيته إسحاق شامير ورئيس أركان قوات الاحتلال رفائيل إيتان وقادة اجهزة الاستخبارات بدعوى “أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت”.

ولم يقتصر التورط في ارتكاب المجزرة على قوات الاحتلال الإسرائيلي وعملائها في لبنان بل كشفت وثائق سرية نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عام 2012 عن ترجيح تورط جهات أمريكية في تلك الجريمة من خلال وقائع جلسات عقدت بين شارون ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط في ذلك الوقت موريس درابر والتي أظهرت اتفاقا بين الجانبين يحدد المخيمات التي سيدخلها جيش الاحتلال الاسرائيلي لتصفية من سماهم “الإرهابيين” وهي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والفاكهاني حيث توعد شارون “بقتلهم جميعا وعدم السماح لأحد بإنقاذهم” فرد داربر عليه بالقول “إننا لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء” ما يعني وفق محللين موافقته على ارتكاب هذه المجزرة.

وعلى الرغم من الإدانة الدولية الواسعة للمجزرة ومرتكبيها إلا أن العدو الاسرائيلي مستمر في ارتكاب مجازره وجرائمه وليس بعيدا عن ذلك ما قام به موءخرا من عدوان همجي على قطاع غزة بدأ في الثامن من تموز الماضي واستمر لأكثر من واحد خمسين يوما وأدى إلى استشهاد نحو 2170 فلسطينيا جلهم من النساء والأطفال والشيوخ إضافة إلى أكثر من عشرة آلاف جريح فضلا عن تدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت العامة والخاصة واستهداف البنى التحتية من مدارس ومحطات كهرباء ومستشفيات ومرافق خدمية.

كل هذه الجرائم والمجازر تؤكد بشكل لا يقبل الشك أهمية بذل كل الجهود لمحاسبة مرتكبيها ومعاقبتهم وخصوصا أن العدو الاسرائيلي مستمر بارتكاب مجازره وجرائمه بحق الفلسطينيين والعرب في ظل الصمت الدولي المريب والتواطؤ الأمريكي والغربي مع الكيان عبر دعمه والتغطية على جرائمه.

وقد تذكر شواهد ارتكاب تلك الجرائم البشعة التي احتوتها ذاكرة الفلسطينيين بما يتعرض له الشعب السوري والعراقي في وقتنا الراهن من عمليات قتل وذبح ترتكبها التنظيمات الإرهابية المسلحة بحقهم ما يؤكد للعالم أجمع انتماء تلك التنظيمات للعقيدة الصهيونية الأساس بابتكار جرائم القتل والانتهاك وترويج المزاعم والادعاءات المتطرفة بالفكر وباستباحة كل المحرمات التي وضعتها الاديان والعقائد الانسانية والبشرية لإعمار الأرض وازدهارها.