تتكشف الأمور تباعا، كأنما وبال ما يسمى “داعش” كاشف للحقائق إن لم نقل العيوب. فما يختبئ في جعبة الولايات المتحدة هو غير ما تعلنه، وما تخطط له يخبئ العديد من التجاوزات، فيما العالم منكب على لملمة أنفاسه من المشاهد المخزية التي يصنعها ما يسمى “داعش” ومن محاولة العثور على أفكارها التي ليست موجودة إلا على حفة السكين.
في كل الأحوال يبدو الحشد الدولي الذي يتم الحديث عنه بمثابة صناعة أميركية لملمت نفسها في النهاية لتتحول إلى حشد أميركي بدل أن يكون دوليا. هذا التكوين ليس مفاجئا في عرف الدول التي تجالس الولايات المتحدة أو تستمع لنصائحها أو تعايش رغباتها .. كل هذا المجتمع على تقدمه، لن تأخذ أميركا لا بأقواله ولا بنصائحه، بل بما تمليه مصالحها الخاصة جدا، ومكونات آرائها المستمدة من عالمها الذي هو صناعتها.
ففيما يحدد الرئيس باراك أوباما ثلاث سنوات لإنهاء ما يسمى “داعش”، يسخر كثيرون، أولا من هذه اللفتة غير المنطقية التي ليس لها علاقة بواقع الأمور، وثانيا لأنها ترتبط بالسنوات الثلاث المتبقية لأوباما في موقعه الرئاسي .. وثالثا لأن أميركا التي يتغير فيها الرئيس تتغير فيها معادلات جمة. إنها لسخرية إذا، أن يتبع أوباما ما تبقى له في سدة الرئاسة من سنوات كي يجمعها على مقاتلة ما يسمى “داعش”، وكيف؟ لا أحد يعرف. هل هي مجرد ضربات جوية لا تغني ولا تثمر، قد تقتل إرهابيين لكنها لا تقتل الإرهاب ولا تنهيه .. فهذا العالم الإرهابي متيقظ أيضا لما هو قادم إليه وهاجم عليه، وبالتالي يمكنه أن يضخ وجودا له في أماكن أخرى كما فعلت “القاعدة” وكما ستفعل.
ثم هل ما يسمى “داعش” هو المطلوب تصفيته في وقت تعبث ما يسمى “النصرة” التي هي ذراع “القاعدة” في سورية وغيرها بالأوضاع، وتصنع ما يتلاءم معها ولا أحد يهددها سوى تواجد الجيش العربي السوري الذي هز كيانها في أكثر من مكان، بل أنهى وجودها في مناطق كثيرة، ربما لن تستطيع كل طائرات أميركا وحلفائها أن تفعل بما يسمى “داعش” ما فعله الجيش العربي السوري بما يسمى “النصرة”.
يقيننا أن الولايات المتحدة تحشد لنفسها، كأن الآخرين الذين احتاجتهم للصورة في جدة ليسوا موجودين معها، فهي بالتالي تلزم نفسها بأن تكون وحدها إن تطلب الأمر، وهذا هو واقع الحال. لكنها مع ذلك تتأبى التصرف الأحادي لعلمها أن المعركة شرسة وطويلة المدى .. لكنها مع ذلك ونتيجة لعوامل متعددة ترى نفسها مجبرة على اجتياز أفكارها وحدها، علما أنها تعرف أن الدنيا ليست بخير لصالحها، وأن العالم حولها يتغير، وأن القوى الممانعة لها صار لها ما هو أبعد في تمثيلها وقد خرج إلى النور وصار حقيقة.
إذا، القصة كلها ضد ما يسمى “داعش” أن الولايات المتحدة هي تمثيل للكل، وهي الكل الممثل فيها. فتراها بالتالي العنوان الذي لا يضيع إذا ما تم التأشير على المرحلة الحالية من الحشد الذي لا تبدو له قائمة، سوى أن أميركا كمتحدث عنه تأخذ واجهة الحدث كي لا يقال إن إفلاسا ضرب تكتلها قبل حدوثه.
رأي الوطن