دمشق-سانا
وصف عضو مجمع اللغة العربية مروان البواب الشاعر أبا العلاء المعري في محاضرته بعنوان “أبو العلاء المعري..حياته من شعره” بأنه شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء فخر معرة النعمان وسيد أمراء البيان ذو الفضل الكامل والعلم الشامل صاحب التصانيف المشهورة والرسائل المنثورة التي لم يأت بليغ بمثالها.
وقال البواب في محاضرته التي ألقاها ظهر اليوم في مجمع اللغة العربية بدمشق كان المعري آية في الذكاء المفرط عجبا في الحافظة القوية وعلامة عصره أخذ عنه الناس وسار إليه الطلبة من الآفاق وكاتبه العلماء وأهل الأقدار مضيفا أنه كان متضلعا من فنون الأدب طاهر الخلق أوتي من حصافة العقل ودقة التفكير وسعة الخيال وغزارة القريحة وفيض الخاطر ما لم يؤته كثير من الشعراء والعلماء.
واستعرض عضو مجمع اللغة العربية سيرة المعري الغنية حيث بين أن أباه سماه أحمد وكناه بأبي العلاء غير أن أبا العلاء لم يكن راضيا بهذا الإسم ولا بتلك الكنية لما يشعر أن به من المدح والتعظيم فقد قال في الاسم: “وأحمد سماني كبيري وقلما … فعلت سوى ما أستحق به الذما وفي الكنية .. دعيت أبا العلاء وذاك مين .. ولكن الصحيح أبو النزول”
ولقب أبو العلاء نفسه حسب البواب رهين المحبسين للزومه بيته وذهاب عينيه ثم لما أمعن في البحث عن أسرار الحياة وأنفذ أشعة عقله إلى أعماقها أضاف إليهما سجنا ثالثا وهو حبس الروح في الجسد فأصبح في ثلاثةِ سجونٍ مستشهدا بقول له “أراني في الثلاثة من سجوني .. فلا تسأل عن الخبر النبيث لفقد ناظري ولزوم بيتي .. وكون الروح في الجسد الخبيث”.
وبين البواب أن الناس لم يرضوا بلزومه بيته فتوسلوا إليه بوسائل شتى حتى دخلوا إليه للزيارةِ والشفاعةِ وغيرِهما فقبل ذلك منهم وفتح بابه للزائرين والمتعلمين.
وعن طريقة تعلمه أوضح عضو مجمع اللغة العربية أن التاريخ لم يذكر لنا الطريقةَ التي سلكها أبو العلاء في فاتحة تعلمه ولكن الجائز القريبَ أن يكون تعلم الهجاء أي تقطيع اللفظةِ إلى حروفها والنطقَ بهذه الحروف مع حركاتها بالحروف النافرة لأنها كانت معروفةً في ذلك العهدِ على ما يشعر به كلامُ أبي العلاء حيث يقول “كأن منجم الأقوام أعمى .. لديه الصحف يقرؤها بلمس”.
ولم تثبت لأبي العلاء رحلةٌ حقيقةٌ حسبما أشار إليه البواب إلا إلى حلبَ وبغداد وكلتاهما لم تكن لطلب العلم أما رحلته إلى حلب فلم يذكرها في شعره لكنه ذكر حلبَ في قصيدةٍ مهنئا فيها ملكا.
وبين المحاضر أن المعري لما سمع بما في بغداد من خزائن كتبٍ كثيرة منها مكتبتان عامتان إحداهما بيت الحكمة التي أسسها الرشيد والثانية مكتبة سابور أو دار العلم وسواها من المكتبات الخاصة إشرأبت نفسه إلى زيارة بغداد والاطلاع على ما فيها وكان عمره وقتئذٍ خمساً وثلاثين سنة وبقى أبو العلاء عازبا مدةَ حياته أما الأسباب التي حملته على عدم الزواج فعديدة منها إفراطه في الغيرة على المرأة إلى درجةِ سوء الظن بها وإشفاقه على الولد من عوادي الدهر وصروفه وأنه عاجزٌ عن القيام بأمر نفسه فكيف يقوم بأمر أولاده وخشيته من أن يحوجه الإنفاق على عياله.
أما عن مرضه الأخير ووفاته فبين البواب أنه توالت الأرزاء على أبي العلاء من المهد إلى اللحد وانتابته الأوصاب والعلل حيناً بعد آخر حيث أشار في مواطنَ من شعره إلى ما بلغ به مر الزمان وتعب الحياة مشيرا أنه ذكر بعض المؤرخين أن أبا العلاء لما قارب الوفاة أوصى أن يكتب على قبره هذا البيت .. هذا جناه أبي علي …وما جنيت على أحد غير أن المحققين أكدوا أن هذا البيتَ غيرُ موجودٍ في شيءٍ من كتب أبي العلاء.
وقد رثاه على قبره أكثرُ من ثمانينَ شاعراً مستشهدا البواب بأبيات لأحدهم هو الأمير أبو الفتح الحسن بن أبي حصينة المعري حيث قال .. العلم بعد أبي العلاء مضيع .. والأرض خالية الجوانب بلقع أودى وقد ملأ البلاد غرائبا .. تسري كما تسري النجوم الطلع.
وكان أبو العلاء شديدَ التواضع يحب أن يتضاءل ويصغر شأنه ولاسيما في علمه وأدبه وفي أشعاره ألوانُ مختلفة أما فخره فلا يناقض تواضعه فلكل منهما زمانها ومناسبتها على أن الفخر غرض من أغراض الشعر يتنافس فيه الشعراء وقلما خلا شعر شاعر مجود منه ولأبي العلاء قصائد رائعة في الفخر من ذلك قوله.. ولقد غصبت الليل أحسن شهبه .. ونظمتها عقدا لأحسن لابس وحض أبو العلاء في مواطنَ كثيرةٍ من شعره على الرأفة بالعبيد والخدم والفقير والضعيف واليتيم والأعمى ففي الرفق بالعبد والخادم يقول..
إذا كسر العبد الإناء فعده .. أذاة له إن الإناء إلى كسر رقيقك أسرى في يديك فلا تكن .. غليظا عليهم واتق الله في الأسر وفي الرفق بالأعمى وبالأصم يقول.. تصدق على الأعمى بأخذ يمينه .. لتهديه وامنن بإفهامك الصما.
ونظر أبو العلاء إلى الدنيا بمنظارٍ قاتمٍ أسود فأوسعها ذما ولوما وزهد فيها وحض على اجتنابها كقوله .. سكنت الى الدنيا فلما عرفتها .. تمنيت أني لست فيها بساكن أما وصايا ونصائح شاعر الفلاسفة حسبما أوضح البواب فكانت مبثوثة في مواطنَ كثيرةٍ من شعره منها حضه على إقامة الصلاة والنهي عن تولي المناصب وعلى تغليب الصمت على الكلام وتوصية الأولاد بآبائهم كما خص الأمَّ بمزيد من الإكرامٍ والإحسانٍ ونصح الولاةَ بالتواضع وعدم الظلم ودعا إلى عدم استراق النظر ويوصي بإكرام الضيف وبعدم الجمع بين الضرائر.
يذكر أن مروان البواب من مواليد دمشق حائز إجازة في الرياضيات عضو مراسل من كتبه: “مسرد مصطلحات المعلوماتية” و “معجم أسماء الأفعال في اللغة العربية وغيرها”.
شذى حمود